لأول مرة في التاريخ.. مشروع مبتكر يتيح للمواطنين فرصة بيع بياناتهم الشخصية على مستوى عالمي

في سابقة غير معهودة على مستوى العالم، تستعد البرازيل لإطلاق تجربة ثورية تمنح مواطنيها «حقًا سياديًا» في بياناتهم الشخصية، ما يفتح الباب أمام تحول جذري في اقتصاد البيانات العالمي: من استغلال الشركات الكبرى للبيانات كمادة خام مجانية، إلى تمكين الأفراد من بيعها كمورد مالي خاص.
المشروع الذي تم الإعلان عنه مؤخرًا، تقوده شركة «داتابريف» الحكومية بالتعاون مع شركة «درامويف» الأميركية، المتخصصة في تقييم البيانات وتسييلها. ويقوم على مبدأ بسيط لكنه يحمل ثقلًا قانونيًا واقتصاديًا عظيمًا: البيانات الرقمية ملكٌ لصاحبها، وليس لأي جهة أخرى.
محفظة بيانات.. وحساب توفير رقمي
بموجب هذا البرنامج التجريبي، سيتم منح عدد محدد من المواطنين البرازيليين أداة تُعرف باسم dWallet أو «محفظة البيانات»، وهي مساحة رقمية تقوم بجمع وتنظيم جميع البيانات الناتجة عن أنشطتهم اليومية على الإنترنت، مثل عمليات الشراء، التفاعل على وسائل التواصل، التنقل الرقمي، وحتى سلوكهم الاستهلاكي.
تُعامل هذه البيانات كما يُعامل المال في حساب التوفير، إذ يمكن للمواطن لاحقًا بيع جزء منها إلى شركات أو جهات مهتمة، مقابل مبالغ مالية تُحوّل مباشرة إلى حسابه البنكي، ليصبح بذلك صاحب مصلحة حقيقية وربح مباشر من بياناته.
من الشفافية إلى الشمول المالي
بحسب تصريحات بريتاني كايزر، المؤسسة المشاركة لمبادرة «امتلك بياناتك» ومستشارة درامويف، فإن المشروع «يعكس رؤية جديدة تضع المواطن في مركز اقتصاد البيانات، لا على هامشه»، وتؤكد أن البرازيل ستكون أول دولة تمنح هذا النوع من «الملكية الرقمية السيادية» للأفراد.
وترى الحكومة أن هذا النموذج الجديد يمكن أن يشكل أداة لتعزيز الشمول المالي، لا سيما أن قيمة سوق البيانات الرقمية في البلاد تُقدّر حاليًا بنحو 4 مليارات دولار، وقد تقفز إلى 40 مليارًا بحلول عام 2034، وفق التقديرات الرسمية.
ما بين الحلم والمخاوف
ورغم الطابع الثوري للمشروع، إلا أنه لم يمر دون انتقادات. فعدد من خبراء الخصوصية حذروا من أن تحويل البيانات إلى سلعة قد يؤدي إلى استغلال الفئات الضعيفة رقميًا.
ويقول بيدرو باستوس، الباحث في منظمة «خصوصية البيانات في البرازيل»: «لدينا ملايين من المواطنين يعانون من أمّية رقمية، وسوء تغطية الإنترنت، خصوصًا في المناطق الريفية. هؤلاء قد يُضغط عليهم لبيع بياناتهم مقابل مبالغ زهيدة، ما يعمّق الفجوة الرقمية بدلًا من ردمها».
خطوة تشريعية جريئة
الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت بعد تقديم مشروع قانون في البرلمان البرازيلي العام الماضي، يصنف البيانات الرقمية كـملكية شخصية، ويُلزم الشركات بدفع تعويضات مادية للمواطنين مقابل استخدام بياناتهم.
هذا الطرح التشريعي، إن تم إقراره نهائيًا، سيجعل البرازيل من أوائل الدول التي تؤسس فعليًا لاقتصاد بيانات يقوم على الملكية الفردية، ما قد يحفّز دولًا أخرى على اللحاق بها، خاصة مع تعثر مشاريع مماثلة في أوروبا وأميركا نتيجة الضغوط القانونية ومقاومة شركات التكنولوجيا الكبرى.