الدور الأساسي لـ«إدارة الأزمات» في حماية الاقتصاد من آثار الحرب

أكد خبراء اقتصاد ومصرفيون أن إصدار مجلس الوزراء قرارًا بتشكيل لجنة أزمات، برئاسة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، لمتابعة تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وتضم فى عضويتها رئيس البنك المركزى والعديد من الوزراء وممثلى الهيئات، الهدف منها الاستعداد لأى مستجدات طارئة جراء هذه الحرب، خاصة لو استمرت لفترة، خصوصا أن اللجنة تهدف لبحث التداعيات الاقتصادية الناتجة عن هذه الحرب ومدى تأثيرها على الوضع الداخلى.
قال محمد عبد العال، الخبير المصرفى، إن التطورات الجيوسياسية المتسارعة، والأزمات الدولية المتشابكة باتت تُلقى بظلالها على أمن واستقرار الدول بشكل مباشر أو غير مباشر، مؤكدًا أن الحاجة أصبحت ملحة اليوم أكثر من أى وقت مضى لوجود آليات فعالة لإدارة الأزمات والتعامل مع التحديات المفاجئة.
وأوضح عبد العال، لـ«المصرى اليوم»، أن تشكيل الحكومة للجنة العليا لإدارة الأزمات، لمتابعة تداعيات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، يُعد خطوة مدروسة تأتى فى التوقيت المناسب، مضيفًا أن اللجنة ذات طابع استباقى، وتتابع عن كثب أى انعكاسات محتملة على الاقتصاد المصرى، رغم عدم وجود تهديد مباشر حاليًا.
وأوضح أن اللجنة، التى يرأسها رئيس الوزراء، ستجتمع بشكل دورى لرصد التطورات فى الإقليم وتحليل تأثيراتها على الاقتصاد المحلى، وذلك لضمان التحرك المبكر واتخاذ الإجراءات التى تحافظ على مسار الإصلاح الاقتصادى.
وأشار إلى أن اللجنة ستعمل على التنسيق الكامل مع اللجان الاستشارية والوزارات المعنية، إلى جانب التشاور مع القطاع الخاص والخبراء المتخصصين، مع التأكيد على التكامل مع الجهات السيادية والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
وأوضح عبد العال أن اللجنة العليا لإدارة الأزمات فى مصر مرشحة للقيام بدور محورى فى تحصين الاقتصاد الوطنى وتعزيز قدرة الدولة على التعامل مع الأزمات غير التقليدية، وهو ما يُسهم فى الحفاظ على الاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى ظل بيئة إقليمية مضطربة.
وتابع أن لجان إدارة الأزمات أصبحت تمثل أداة استراتيجية بالغة الأهمية فى تنظيم الموارد وتوحيد الجهود، وتحقيق التنسيق بين الجهات المعنية، بهدف تقليل الأضرار وتحقيق الحد الأدنى من الاستقرار فى بيئات غير متوقعة ومتقلبة.
وأضاف عبد العال أن أهمية هذه اللجان تتضاعف حين تتصاعد التوترات الإقليمية أو تشتد النزاعات بين القوى الكبرى، إذ تفرض تلك الأوضاع ضرورة اتخاذ إجراءات استباقية ومرنة، تضمن حماية الأمن القومى والاقتصاد الوطنى، وتُبقى على قدرة الدولة فى التحرك السريع والفعال لمواجهة أى تداعيات محتملة.
وأكد أن تشكيل لجان لإدارة الأزمات يُعد من أدوات الدولة السيادية فى مجابهة تلك التحديات، حيث تتولى مهام رصد وتقييم وقياس المخاطر، ووضع خطط الطوارئ، وتنفيذ الإجراءات الضرورية فى الوقت المناسب، لتقليل المخاطر أو تفاديها.
وأشار عبد العال إلى أن هذه اللجان غالبًا ما تكون مخولة بصلاحيات واسعة وسريعة لاتخاذ قرارات مباشرة دون المرور بالتعقيدات البيروقراطية، وهو ما يمنحها قدرة على التحرك السريع. وتكون هذه الصلاحيات مؤقتة ومرتبطة بالأزمة، وقد تُلغى أو تُدمج مع لجان دائمة، فيما تستمر بعض اللجان بشكل دائم لرصد المتغيرات ورسم السيناريوهات الاستباقية واختبار تحمل الضغوط.
وشدد على أن هناك نمطين أساسيين لعمل هذه اللجان؛ أولهما استباقى، يختص بتحليل المخاطر ووضع خطط الطوارئ وتطوير آليات وقائية قبل وقوع الأزمات، وثانيهما يعتمد على سرعة الاستجابة عند وقوع الحدث، لاتخاذ إجراءات فورية.
واستشهد عبد العال بتجارب دولية ناجحة، منها التجربة اليابانية، التى تمتلك واحدة من أنجح لجان إدارة الكوارث فى العالم، وتتعامل مع الزلازل والتسونامى بشكل استباقى، وتطبق خططًا مدروسة وتدريبات دورية ساعدت كثيرًا فى تقليل الأضرار خلال زلزال 2011.
وأضاف أن الولايات المتحدة أيضًا لديها لجنة عليا للطوارئ تتمتع بصلاحيات استثنائية وتدير الأزمات الكبرى، مثل الأعاصير والأوبئة، من خلال منظومة تنسيق فعالة بين الجهات الفيدرالية والمحلية.
كما لفت إلى تجربة الهند من خلال اللجنة الوطنية للطوارئ والكوارث، والتى تأسست عام 2005، وتعمل على إدارة الكوارث الطبيعية والبشرية، وتقوم بتنسيق جهود الدولة وتوفير الدعم السريع، مع اعتماد نهج استباقى فى وضع خطط الطوارئ.
وقال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية، إن الحرب الإسرائيلية الإيرانية إذا استمرت ستتسبب فى اضطراب سلاسل التوريد عالميا وارتفاع فى أسعار النفط والغاز والحبوب وغيرها بالتزامن مع التهديد بغلق مضيق هرمز ومضيق باب المندب اللذين يمثلان شريانا كبيرا لمرور ما يقارب من نصف صادرات البترول والغاز الطبيعى والحبوب.
وأشاد غراب بتشكيل الحكومة هذه اللجنة، والتى تعد أمرا استباقيا استعدادا لأى تطورات تحدث لمواجهتها والبحث عن بدائل لتوفير الواردات المصرية من الغاز الطبيعى والسلع الاستراتيجية وخامات الإنتاج، خاصة إذا استمرت الحرب وأثرت على سلاسل التوريد العالمية، بالرغم من أن مصر لديها احتياطى كبير من السلع الضرورية الاستراتيجية يكفى لشهور طويلة، وهو من سياسات الدولة المصرية منذ سنوات مضت بتوفير مخزون احتياطى من السلع الأساسية لمواجهة أى تحديات أو أزمات طارئة عالميا أو إقليميا، مضيفا أنه منذ بدء الحرب بين طهران وتل أبيب، وقد قفزت أسعار النفط والغاز، وهناك توقعات تشير إلى أنها فى تزايد إذا استمرت الحرب بينهما.
وأكد غراب أن الدولة المصرية بدأت سريعا بالفعل فى البحث عن بدائل لواردات الغاز الطبيعى بعد انقطاعه من إحدى دول الشرق، وتعمل على توفير البترول والغاز الطبيعى حتى لا يتأثر الاقتصاد المصرى بتلك الأوضاع، مضيفا أن ارتفاع النفط والغاز عالميا بالطبع سيؤثر على الأوضاع الاقتصادية العالمية ومن بينها مصر، لأنه سيسهم فى رفع أسعار الطاقة والشحن والنقل، وبالتالى سيؤثر على الأسعار ويشكل ضغوطا تضخمية عالمية.
وتابع غراب أن استمرار الحرب أيضا يؤثر على حركة رؤوس الأموال والسياحة بالشرق الأوسط، وتراجع سلاسل الإمداد ما يؤثر على حركة التجارة العالمية، مضيفا أن الحكومة المصرية استعدت بالفعل لتوفير الغاز الطبيعى بالاتفاق على 4 شحنات جديدة وفقا للبيانات، وسيتم استقبالها خلال الأسبوعين المقبلين، لتوفير الناقص من الغاز، إضافة لاستباق مصر على إجراء تعاقدات مبكرة قبل ارتفاع الأسعار لتوفير منتجات البترول والغاز الطبيعى.