«ماء الشباب».. مغامرات من بانكوك إلى عمق الهرم الأكبر

من بداية الوجود، وأحلام الشباب الدائم والصحة تراود الجميع، حتى لو لم يعترف البعض صراحة بذلك، وعلى مدار التاريخ تحولت هذه المحاولات إلى أساطير تمتد عبر الزمن، جاء ذلك فى الملحمة السومارية التى تحدثت أيضًا عن رحلة الملك جلجامش للبحث عن الخلود، وتصفها لوحات الفنانين كما فعل الرسام الألمانى لوكاس كراناخ فى لوحته The Fountain of Youth، وتصورها الأعمال الفنية مثل سنو وايت الشهيرة وأفلام دراكولا، وأحدثها فيلم Fountain of Youth «ينبوع الشباب» الذى بدأ عرضه مؤخرًا على Apple TV+.
أسباب كثيرة تدفع لمشاهدة فيلم Fountain of Youth، أولها الملصق الدعائى للفيلم، والذى يظهر فيه صورة الهرم الأكبر، أضف إلى ذلك أسماء النجوم المشاركين فى الفيلم؛ ناتالى بورتمان وستانلى توتشى وجون كراسنسكى، وبالطبع اسم المخرج الإنجليزى الشهير جاى ريتشى، والأهم هو الدعاية الكبيرة التى حصل عليها الفيلم فى مصر منذ منتصف العام الماضى تقريبا بسبب الإعلان عن تصوير بعض مشاهد الفيلم فى مصر- تحديدًا فى منطقة الأهرامات- وذلك بعد سنوات من ابتعاد السينما العالمية عن التصوير فى مصر بسبب تعقيد الإجراءات، والتى من المفترض تم تسهيلها من خلال جهود لجنة مصر للأفلام.
فيلم Fountain of Youth
خلطة النجاح
تتمتع أفلام المغامرة المرتكزة على البحث فى الأساطير القديمة بشعبية كبيرة فى العالم، وهى عادة ما تقدم خلطة النجاح الجماهيرية التى تضم أسماء نجوم شهيرة، وقصة أسطورية تظهر فى الوقت الحاضر مع الكثير من الأحجية والمطاردات بين الأبطال ورجال العصابات والشرطة، إضافة إلى بعض المشاهد الكوميدية، ولم يبتعد فيلم «ينبوع الشباب» عن هذه الخلطة كثيرا؛ فالقصة تدور أحداثها حول المغامر لوك بيردو «جون كراسنسكى»، ابن العالم والباحث عن الآثار النادرة الراحل هاريسون، والذى يرث هو وشقيقته الصغيرة شارلوت (ناتالى بورتمان) شغف والدهما بالبحث عن الأساطير القديمة والقطع الأثرية النادرة، لكن شارلوت تقرر منذ سنوات الابتعاد عن المغامرات والاستقرار كأم والعمل بالمتحف البريطانى بعيدًا عن أخيها الذى يعود للظهور فى حياتها مرة أخرى لسرقة لوحة من المتحف، ويؤدى ذلك إلى فقدانها لوظيفتها والمخاطرة بحضانة ابنها توماس (بنيامين تشيفرز)، ومطاردة مفتش الإنتربول جمال عباس (أريان مؤيد)، ولحل مشاكلها يعرض عليها شقيقها الانضمام إليه ولفريق والدهما من الباحثين والمستكشفين، وفى المقابل سيقوم أوين كارفر (دومينال جليسون)، رجل الأعمال الثرى والمصاب بالسرطان، بتسوية مشاكلها مع طليقها وتمويل عملية العثور على مكان ينبوع الشباب حتى يتخلص من مرضه ويتمتع بالخلود، فى الوقت نفسه تظهر مجموعة من حماة سر الينبوع، والتى يقودها إلدر «ستانلى توتشى» واسما (إيزا جونزاليس) لمحاولة منع الجميع من الوصول إلى موقع الينبوع فى الهرم الأكبر، آخر عجائب الدنيا السبع التى لا تزال قائمة حتى اليوم.
أفلام صائدى الكنوز
قصة الفيلم تحمل توقيع المنتج وكاتب السيناريو جيمس فاندربيلت، والذى سبق وقدم أعمالا شهيرة، منها Zodiac، The Night Agent و Murder Mystery وهو فى «ينبوع الشباب» قدم تيمة «صائدى الكنوز» المألوفة فى السينما العالمية، وأشهرها سلسلة أجزاء أنديانا جونز الخمسة، والتى قام ببطولتها النجم هاريسون فورد، وبدأت عام ١٩٨١ بفيلم Raiders of the Lost Ark، وانتهت عام ٢٠٢٣ بفيلم Indiana Jones and the Dial of Destiny، وأيضا فيلما النجم نيكولاس كيدجNational Treasure، اللذان ظهرا عام ٢٠٠٤، ثم ٢٠٠٧، أضف إليهما الأفلام الثلاثة المأخوذة عن أعمال الكاتب الأمريكى دان براون، شفرة دافنشى The Da Vinci Code وملائكة وشياطين Angels & Demons والجحيم Inferno، والتى لعب بطولتها النجم توم هانكس فى دور البروفيسور روبرت لانجدون، وأخرجها رون هاوارد. وفى حين كانت هذه الأعمال تعالج بشكل أو بآخر نفس الفكرة، لكن معالجتها خرجت بشكل أصلى ومميز على عكس فيلم «ينبوع الشباب»، الذى خرج وكأنه مزيج من السلاسل الثلاث دون أن يحمل سمة تجعله مميزا عن الآخرين، فبعض المشاهد وكأنها جزء من إنديانا جونز، وبعض الحوارات الخاصة بالأحجية والأعمال الفنية، وكأنها كانت على لسان روبرت لانجدون، وفى بعض المشاهد كان بطل الفيلم جون كراسنسكى يشبه شخصية بنجامين فرانكلين التى قدمها نيكولاس كيدج.
فيلم Fountain of Youth
وعلى الرغم من أن الحوارات كانت تكشف عن العلاقة المتوترة بين الشقيقين، وأن كلا منهما خرج بشخصية وقيم مختلفة من عباءة الأب الذى كان مكتشفا أيضا للآثار النادرة، لكنه كان يسير على مبدأ «الهدف فى الرحلة»، إلا أن الشخصيات ظهرت سطحية بشكل كبير وتغير مواقفها بسهولة، حتى إن كل تصرفاتها تصبح متوقعة من منطلق أن التسلسل الطبيعى للأحداث يجب أن يكون فى هذا الاتجاه بناء على الخبرة بالأعمال المشابهة، فشارلوت توافق فى جزء من الثانية على مشاركتهم المهمة، رغم مقاطعتها لأخيها ورفضها تصرفاته، ولا ندرى هل كان الأب يقوم بكل المجهود فى البحث عن الآثار ليتركها فى النهاية بمجرد النظر لها، أم أنه ترك العمل فى نهاية حياته فحسب، وكذلك فريق العمل الذى ظهر فى مشاهد قليلة تاركا كل العمل والقتال للشقيقين، ورجل الأعمال الذى من المتوقع جدا أن يكذب للحصول على غرضه، والطفل الذى ينضم للمهمة فيصبح مفتاح حل اللغز، كما لم يسمح الفيلم بإبراز القدرات التمثيلية للممثلين مثل ستانلى توتشى الذى ظهر فى مشهد واحد فحسب.
التصوير فى الأهرامات
لا يسمح الإيقاع السريع جدًا للفيلم، والذى تصل مدته لساعتين وخمس دقائق، بالتوقف كثيرا أمام سطحية الشخصيات، فالمعلومات الكثيرة التى يحكيها الأبطال حول اللوحات الفنية والرموز التى تحملها، إلى جانب المطاردات التى تبدأ من الثانية الأولى للفيلم فى شوارع بانكوك، ثم تنتقل إلى مطاردة أخرى بالسيارات فى شوارع لندن، ثم الغوص فى البحر الأيرلندى وانتشال سفينة غارقة، وبعدها السفر إلى فيينا، لتبدأ مطاردة داخل المكتبة الوطنية النمساوية، وصولا إلى القاهرة عند أهرامات الجيزة، كلها تجعل المشاهد يلهث خلف الأبطال طوال الوقت دون التوقف كثيرا أمام تفاصيل الحبكة.
فيلم Fountain of Youth
وفى تصريحاته، فى البيان الصحفى الخاص بالفيلم، قال المخرج جاى ريتشى إنه كان مصرًا من اللحظة الأولى على تصوير المشاهد فى أماكنها الحقيقة وعدم استخدام كروما؛ فالتصوير فى الأماكن الحقيقية يمنح شعورا بالانغماس فى أجواء المغامرة، مشيرا إلى تجربة التصوير فى منطقة الأهرامات لمدة ١٠ أيام ومشهد هبوط الطائرة الهليكوبتر أمام الأهرامات كان مبهرا، كذلك السماح لهم بالدخول إلى أجزاء من الهرم. وهو ما أكده المنتج جيك مايرز فى نفس البيان، وقال إنهم تحدثوا فى البداية عن الفكرة بشكل نظرى، لكنها تحولت إلى حقيقة بفضل التعاون مع لجنة مصر للأفلام، وأن جميع طاقم العمل كان يدرك مدى قدسية هضبة الأهرامات واحترموا الفرصة التى حصلوا عليها.
ربما كان فيلم «ينبوع الشباب» محبطًا بالنظر إلى أسماء كبيرة تقف خلفه، لكنه فى الوقت نفسه يقدم جرعة كبيرة من الإثارة والمغامرات، خاصة فى الجزء الأخير، والذى صورت مشاهده فى منطقة الأهرامات، وهى الخطوة التى قد تعيد مصر مرة أخرى إلى خريطة مواقع التصوير العالمية.