دراسة تستعرض تأثيرات الحرب بين إسرائيل وإيران على المنطقة: مصر في مقدمة المتضررين

رصدت دراسة حديثة تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية على دول المنطقة، موضحة أن مصر تعد المتضرر الأكبر، جراء تلاحق الأحداث العالمية والإقليمية، مع استمرار شن إسرائيل ضربات واسعة النطاق على منشآت نووية وعسكرية إيرانية. معتبرة أن أى تصعيد إقليمى سيضع الاقتصاد المصرى تحت ضغط إضافى كبير.
وحسب الدراسة التى أعدها الباحث الاقتصادى والمصرفى، أحمد آدم، فقد صاحب هذه الأحداث ارتفاع أسعار النفط العالمية بشكل كبير بعد التصعيد، ما يعكس مخاوف الأسواق من تعطيل الإمدادات من منطقة الخليج.
التأثير على الاقتصاد والأجهزة المصرفية لدول المنطقة
الأحداث الراهنة يمكن أن تستمر وهو ما سيؤثر وبقوة على اقتصادات دول المنطقة وعلى بورصات دول المنطقة، وخصوصا بورصات دول الخليج، كما أن الأجهزة المصرفية لكافة دول منطقة الشرق الأوسط ستتأثر.
هروب رؤوس الأموال والاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر
مع زيادة المخاطر الجيوسياسية ستتردد رؤوس الأموال الأجنبية فى البقاء أو الدخول إلى المنطقة. المستثمرون يبحثون عن الاستقرار وأى تصعيد سيؤدى إلى سحب الاستثمارات القائمة أو تجميد الاستثمارات الجديدة، وهو ما سيؤثر سلبا على صافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبالتبعية على ناتج أعمال الميزان الجارى بدول المنطقة. وهذا سيؤثر على المشاريع التنموية الكبرى فى دول الخليج، والتى تعتمد بشكل كبير على الاستثمار الأجنبى والمشاريع المشتركة، كما أن الدول التى تعتمد فى توفير احتياجاتها من العملات الأجنبية وبخاصة الدولار من خلال الاستثمارات قصيرة الأجل فى أدوات الدين ستشهد انخفاضا كبيرا فى هذه الاستثمارات، قد يشكل ضغطا على أسعار صرف عملاتها.
تأثير ارتفاع أسعار النفط والغاز
فإن الارتفاع المستمر فى أسعار النفط، خاصة مع مرور الناقلات عبر مضيق هرمز، يزيد من الضغوط التضخمية عالمياً، ما قد يؤدى إلى تباطؤ الاقتصاد العالمى، وبالتالى تقليل الطلب على النفط على المدى الطويل. كما أن ارتفاع أسعار الطاقة سيزيد من تكلفة الإنتاج والشحن لجميع الصناعات، ما يزيد من الضغوط على سلاسل التوريد العالمية.
زيادة الإنفاق الدفاعى والعسكرى
أحمد آدم
مع تصاعد التوترات ستجد دول المنطقة نفسها مضطرة لزيادة ميزانياتها الدفاعية، ما يحول الموارد بعيدًا عن المشاريع التنموية والخدمات الأساسية الأخرى، وهذا يمكن أن يشكل عبئًا إضافيًا على الموازنات العامة لدول المنطقة.
ارتفاع مخاطر التأمين على الشحن البحرى والجوى
بالإضافة إلى زيادة تكلفة فتح الاعتمادات المستندية سترتفع أقساط التأمين على السفن والطائرات التى تمر بالمنطقة أو تتجه إليها بشكل كبير، مما يزيد من التكاليف التشغيلية ويقلل من جاذبية التجارة عبر هذه المسارات، بعض شركات الشحن قد تفضل تغيير مساراتها، مما يزيد المسافة والوقت والتكلفة، كما أن العديد من دول المنطقة تعتمد بشكل كبير على استيراد الغذاء وارتفاع تكاليف الشحن وتأمين البضائع ما قد يؤدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية ويفاقم الضغوط التضخمية ويؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين.
التأثير على أسواق العمل
مع تباطؤ النمو الاقتصادى فى القطاعات المتضررة (مثل السياحة والتجارة) قد نشهد تسريحًا للعمالة أو تجميدًا للتوظيف، ما يزيد من معدلات البطالة ويؤثر على دخل الفرد والاستهلاك، وقد يؤثر أيضًا على التحويلات المالية من العمالة الوافدة، والتى تعتبر مصدر دخل مهما للعديد من الدول العربية غير النفطية مثل مصر والأردن ولبنان وسوريا والسودان.
التأثير على السياحة
ستتأثر السياحة، سواء كانت الوافدة إلى دول المنطقة مثل دبى والسعودية ومصر والأردن، أو السياحة المتجهة من المواطنين الخليجيين إلى دول مثل أوروبا أو شرق آسيا، وهو ما يمكن أن يؤثر على حركة السياحة العالمية وستتأثر كافة الدول التى تعتمد على إيرادات السياحة فى دعم موازين مدفوعاتها وأسعار صرف عملاتها. السياحة الدينية أيضا والتى تعد مصدر دخل كبير للمملكة العربية السعودية قد تتأثر هى الأخرى بالتوترات الأمنية.
التأثيرات على الأجهزة المصرفية
الأحداث الأخيرة يمكن أن تستمر وتتفاقم وهو ما سيؤثر وبقوة على بورصات دول المنطقة، وخصوصا بورصات دول الخليج، وهو ما سيؤثر وبالتبعية على القيمة السوقية لبنوك المنطقة، كما سيؤثر سلبا على القيم السوقية لاستثمارات هذه البنوك بالأوراق المالية المقيدة بهذه البورصات، وهو ما يستدعى زيادة تكوين مخصصات هبوط أوراق مالية تؤثر فى النهاية على ناتج أعمالها. كما أن الأجهزة المصرفية لكافة دول منطقة الشرق الأوسط ستتأثر من خلال ارتفاع المخاطر، وهو ما سيؤثر على حركة التجارة بهذه الدول وسيؤثر سلبا على حجم الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان الخارجية المفتوحة، وبالتبعية ستتأثر عوائد الخدمات المصرفية سلبا، وكذا ناتج أعمال البنوك بطبيعة الحال. كما أن ارتفاع مخاطر الائتمان وخصوصا للشركات المتعاملة مع إسرائيل وإيران، وكذا الشركات بمنطقة الخليج، وهو ما سيستدعى من البنوك زيادة المخصصات العامة والخاصة للقروض، وهو ما سيؤثر سلبا على ناتج أعمال بنوك المنطقة، أيضًا قد تواجه البنوك تحديات فى إدارة السيولة إذا بدأ العملاء فى سحب ودائعهم خوفًا من تدهور الأوضاع، مع صعوبة الحصول على التمويل الدولى للبنوك المحلية، مع ارتفاع درجة المخاطرة السيادية للدول.
مصر أكثر دول المنطقة تضررا من الحرب الإيرانية الإسرائيلية
هذا السيناريو يمثل ضغطًا اقتصاديًا هائلاً على مصر، تحديدا ما يجعل مساعى احتواء التصعيد الإقليمى ذات أهمية قصوى، ليس فقط لأسباب أمنية، ولكن أيضًا لأسباب اقتصادية حيوية، فمصر تعتمد بشكل كبير على تدفقات الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل، مثل أذون الخزانة) لتوفر النقد الأجنبى اللازم لدعم احتياطياتها وتغطية احتياجاتها من الواردات وسداد الديون وأى تصعيد كبير فى المنطقة يزيد من حالة عدم اليقين، وهذا يدفع المستثمرين الأجانب إلى سحب استثماراتهم من الأسواق الناشئة التى تعتبر أكثر عرضة للمخاطر والتوجه إلى الملاذات الآمنة، وبالتالى انسحاب هذه الاستثمارات يعنى تراجعًا حادًا فى تدفقات النقد الأجنبى، مما يقلل من المعروض من الدولار فى السوق المصرية، ومع تراجع تدفقات النقد الأجنبى نتيجة انسحاب الأموال الساخنة سيزداد الضغط على سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وهذا قد يؤدى إلى تراجع جديد فى قيمة الجنيه، ما يزيد من تكلفة الواردات (السلع الأساسية والمواد الخام)، ويساهم فى ارتفاع معدلات التضخم التى تعانى منها مصر بالفعل.
معروف أن مصر لديها التزامات لسداد ديون خارجية وفوائد مستحقة خلال هذا العام وقدرة مصر على الوفاء بهذه الالتزامات تعتمد بشكل أساسى على قدرتها على توفير النقد الأجنبى الكافى من مصادر مختلفة، مثل السياحة وتحويلات المصريين بالخارج وكذا الاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر والصادرات، هذا بخلاف قروض المؤسسات الدولية، ومع تراجع السياحة المتوقع لأن التوتر الإقليمى يؤثر سلبًا على قطاع السياحة، وهو مصدر حيوى للنقد الأجنبى لمصر، كما ستتأثر قناة السويس، فكما رأينا فى الأحداث الأخيرة بالبحر الأحمر فإن التوترات تؤثر على حركة الملاحة وإيرادات قناة السويس، وهى مصدر مهم آخر للنقد الأجنبى مع تباطؤ الاستثمار الأجنبى المباشر، فرغم صفقة رأس الحكمة الكبيرة التى دعمت الاحتياطيات مؤخرًا، فإن استمرار التوتر قد يؤجل أو يبطئ تدفقات استثمارات مباشرة جديدة، إذا تدهور وضع النقد الأجنبى بشكل كبير وأصبحت هناك شكوك حول قدرة مصر على سداد ديونها فى المواعيد المحددة، فإن وكالات التصنيف الائتمانى قد تخفض التصنيف الائتمانى لمصر، وهذا يجعل الاقتراض الجديد لمصر أكثر تكلفة (بفائدة أعلى) ويصعب عليها الحصول على تمويل من الأسواق الدولية مما يزيد من الضغوط المالية.
جدير بالذكر أن مصر تسعى لتنويع مصادر النقد الأجنبى، وزيادة التركيز على الاستثمار الأجنبى المباشر (مثل صفقة رأس الحكمة)، وتشجيع الصادرات وتوسيع القاعدة الإنتاجية لتقليل الاعتماد على الواردات، كما أن هناك برامج إصلاح اقتصادى تتم بالتعاون مع صندوق النقد الدولى.