أسباب حكم السجن لمدة 10 سنوات على المتهمين في «انفجار الواحات»: لماذا اعتبرت المحكمة الجريمة نتيجة «إخلال جسيم بالواجبات الوظيفية»؟

أودعت محكمة جنح أول أكتوبر، اليوم الثلاثاء، حيثيات حكمها بحبس 6 متهمين لمدة 10 سنوات لكل منهم، بعد إدانتهم بالتسبب بالحادث الذي وقع 30 أبريل الماضي بطريق الواحات وأسفرت عن مصرع 8 أشخاص بينهم أطفال ونساء، وإصابة 17 آخرين بحروق وجروح خطيرة، وتفحم 11 مركبة.
وجاء في حيثيات الحكم أن الكارثة كانت نتيجة مباشرة للإهمال الجسيم، والتقاعس عن اتباع إجراءات السلامة، وارتكاب مخالفات صريحة لقوانين العمل في مناطق تحتوي على خطوط الغاز الطبيعي.
أسندت المحكمة إلى المتهمين الـ6، وهم: «محمد.أ»، و«عمر.أ»، و«محمد.و»، و«أحمد.ج»، و«علاء.ر»، و«أحمد.ر»، ارتكابهم لوقائع إهمال ورعونة تسببت في الحادث المروع الذي وقع يوم 30 أبريل 2025.
وبحسب الحكم، استخدم المتهم الأول لودرًا دون أي إشراف هندسي لكسر الطبقة العلوية من الأرض، ما تسبب في اصطدامه بماسورة غاز طبيعية رئيسية، مما أدى إلى تسرب الغاز واشتعاله، واعتبرت المحكمة أن الأوامر التي أصدرها المتهم الثاني بالحفر دون إشراف هندسي تمثل إهمالًا يعادل الشروع في القتل الخطأ.
وأكدت المحكمة أن باقي المتهمين أهملوا في تأدية واجباتهم كمشرفين ومنفذين لأعمال الحفر والرصف، دون أي تنسيق مع الجهات المعنية بإمداد وتوصيل الغاز الطبيعي، ودون الحصول على التصاريح اللازمة أو التأكد من وجود خرائط توضح مسارات المرافق الحيوية.
اقرأ أيضًا| تحريات حادث خط الغاز بطريق الواحات: «المتهمان الرئيسيان فرا هاربين وتركًا اللودر بعد الانفجار» (خاص)
في حيثيات الحكم، قالت المحكمة إن المقاول المنفذ لأعمال الحفر، وهو شركة “المليجي لأعمال المقاولات”، خالف القوانين واللوائح الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء، والتي تُلزم بالحصول على التراخيص اللازمة قبل البدء في الحفر داخل الطرق العامة، مشيرة إلى أنه لم يُنسّق مع شركة “ناتجاس” المختصة بإمداد الغاز الطبيعي، على الرغم من معرفته المسبقة بالإجراءات التي تفرض استخراج التصاريح المطلوبة.
وأضافت الحيثيات أن الانفجار تسبّب في إهدار 27 ألفًا و750 مترًا مكعبًا من الغاز الطبيعي، بقيمة مالية تجاوزت 290 ألف جنيه، إلى جانب خسائر في البنية التحتية والتلفيات بلغت قيمتها نحو 71 ألف جنيه.
ووفقًا لأوراق القضية، فقد واجه المتهمون الستة اتهامات بارتكاب جنح مؤثمة وفقًا للمواد 238 و244 من قانون العقوبات، إلى جانب مخالفة مواد قانون تنظيم أنشطة الغاز الطبيعي رقم 217 لسنة 1980، وقرارات مجلس الوزراء المنظمة لأعمال الحفر داخل المناطق الحيوية.
وجاء في أوراق التحقيقات التي باشرتها نيابة أول وثالث أكتوبر الجزئية، أن المتهم الأول «محمد.أ.ع.م»، عامل حفر، اصطدم بماسورة الغاز باستخدام لودر دون اتباع اشتراطات السلامة المهنية، وهو ما أدى إلى تسرب الغاز واشتعاله، وأسفر عن وفاة الضحايا الثمانية.
أما المتهم الثاني «عمر.أ.ص.ح»، فكان مسؤولًا عن متابعة عمليات الحفر، لكنه أعطى أوامر الحفر دون التأكد من وجود المهندس المشرف، ولم يتواجد بجانب العامل لحظة الحفر، ما اعتبرته النيابة إهمالًا جسيمًا أدى إلى تطور الموقف إلى انفجار مأساوي.
وواجه المتهمان الثالث «محمد.و.ش.أ» والرابع «أحمد.ج.م.إ» اتهامات بالإهمال والتقصير في المتابعة والإشراف الفني على المشروع، مع العلم بأنه موقع مُدرج على خطة توصيل الغاز الطبيعي، وكان يتطلب تنسيقًا مباشرًا مع الجهات المختصة قبل أي تدخلات.
اقرأ أيضًا| «أنا كنت ماشية مولعة.. وكله كان بيصور».. شهادة «سما» قبل وفاتها في انفجار خط الغاز بـ طريق الواحات (خاص)
في حين وُجّهت إلى المتهمين الخامس «علاء.إ.ع.ر» والسادس «أحمد.م.ي.ص» اتهامات بعدم التأكد من حصول العاملين على التصاريح المطلوبة، وعدم وقفهم العمل لحين التأكد من التراخيص، رغم كونهم مسؤولين إداريًا عن تنفيذ الإجراءات، وهو ما تسبب، وفقًا للحيثيات، في “إخلال جسيم بما تفرضه أصول المهنة”.
جاء في أوراق القضية أن الحادث أسفر عن وفاة كل من: إسراء أحمد، وتميم عمر، وناهد أحمد، وسما عادل، ومنة الله أيمن، وحذيفة عبدالمولى، ومحمود صلاح، ومحمد عصام، حيث لقوا مصرعهم إما احتراقًا داخل سياراتهم أو بسبب شدة الحريق الذي أعقب تسرب الغاز.
انفجار خط غاز بطريق الواحات قرب مدخل جهاز 6 أكتوبر – صورة أرشيفية
ووفق التحقيقات، فقد أدى الحادث كذلك إلى إصابة 17 شخصًا آخرين، بينهم أطفال وعمال ومسؤولون من جهاز مدينة 6 أكتوبر، بحروق متفرقة في أنحاء الجسم، وتم توثيق إصاباتهم في تقارير طبية رسمية.
كما تسبب الانفجار في تفحم وتدمير 11 مركبة بشكل كامل، من بينها سيارات نقل خاصة وملاكي، ودراجات نارية، وأخرى تابعة لشركات مقاولات وجهات حكومية، ما يشير إلى حجم الانفجار واتساع دائرة اللهب.
شهد مصطفى محمد حسن، مشرف التشغيل والصيانة بجهاز مدينة 6 أكتوبر، أن نائب رئيس الجهاز أبلغه يوم الواقعة بوجود أعمال حفر مخالفة في مدخل طريق المحور بطريق الواحات. وعندما توجّه إلى الموقع، وجد مجموعة من الأشخاص يستخدمون لودرًا وشاحنات دون تنسيق مسبق أو تصاريح رسمية، وأثناء محاولته وقف العمل، سمع صوتًا مفاجئًا لتفريغ الهواء، وتأكد حينها من أن ماسورة الغاز قد انكسرت، وحاول الفرار من الحريق الذي نشب سريعًا.
اقرأ أيضًا| «مش عايزة أموت عشان بابا وماما».. طالبة طب الأسنان في آخر كلماتها قبل وفاتها في حادث الواحات (خاص)
وبحسب إفادته، حاول إيقاف المركبات القادمة وإبعادها عن مكان الحادث، لكن الوقت لم يسعفه، فاشتعلت النيران وامتدت إلى جسده، قبل أن يتم نقله إلى المستشفى.
أما محمود رجب عبدالحافظ، رئيس قطاع التشغيل والصيانة بجهاز أكتوبر، فأكد في شهادته أنه أثناء توجهه للموقع، شعر برائحة غاز قوية، ثم توقفت حركة السيارات، وبعد لحظات سمع صوت تفريغ مفاجئ للهواء أعقبه حريق هائل أصابه بحروق متفرقة.
وشهد كذلك أحمد مصطفى صابر، عامل بجهاز المدينة، أنه كان يعتقد أن الكسر يتعلق بخط مياه، وبعد المعاينة اكتشف أنه خط غاز، وأثناء مغادرته المكان اندلع الحريق وأصيب بحروق، وفقد وعيه.
وفي شهادة أخرى، قال عبدالتواب سالم، وهو عامل بشركة مقاولات، إنه انتقل للموقع بعد تلقيه بلاغًا بحدوث كسر في ماسورة مياه، لكنه أدرك لاحقًا أن الكسر طال ماسورة غاز، وما إن بدأ في مغادرة الموقع حتى وقع الانفجار وأصيب بجروح وحروق ونقل إلى المستشفى.
انفجار خط غاز بطريق الواحات قرب مدخل جهاز 6 أكتوبر – صورة أرشيفية
أما قاسم محمد اللباد، وهو مواطن سوري كان يمر بالموقع وقت الحادث، فقد أكد في شهادته أنه شعر برائحة تسرب قوية حين توقف بسيارته بصحبة نجله ومحاسب كان يرافقه، ثم بدأ صوت محرك السيارة في الارتفاع، وحين حاول الفرار اشتعل الحريق، وفقد وعيه، ليستيقظ بعدها في المستشفى.
اقرأ أيضًا| «شركة المقاولات اشتغلت من ورا ضهرنا».. اعترافات المتهم الخامس في انفجار خط الغاز بطريق الواحات (خاص)
أشارت النيابة العامة إلى أن التحقيقات شملت معاينة ميدانية بموقع الحادث، حيث تبين وجود آثار حفر غير مرخصة على يسار الطريق، وظهور ماسورة غاز مكسورة ومنصهرة بسبب شدة الحريق، كما وُجدت جثث متفحمة بالكامل داخل السيارات، ما يدل على سرعة انتشار النيران.
وبينما حملت المحكمة المتهمين الـ6 مسؤولية الإهمال الجسيم، شددت في حيثيات حكمها على أن الحادث ما كان ليقع لولا انتهاكهم الصريح للقوانين، وعلى رأسها قانون الغاز الطبيعي رقم 217 لسنة 1980، وقرار رئيس الوزراء رقم 1682 لسنة 2018، وعدم التنسيق مع الجهات المعنية رغم علمهم المسبق بخطورة المكان وطبيعة التربة.
انتهت المحكمة إلى أن الجريمة نتجت عن إخلال مهني جسيم من قبل المتهمين، أدى إلى وفاة أكثر من 3 أشخاص في الحال، إلى جانب إصابات وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة، ما يستوجب توقيع أقصى عقوبة مقررة وفقًا للقانون، وهو ما تحقق بالحكم الصادر بالحبس 10 سنوات.