شخصيات: محمود نظيم، الرجل الذي كان يقضي الليالي في مكتبه أثناء ثورة 25 يناير

في ذاكرة قطاع البترول، يبقى اسم المهندس محمود نظيم محفوراً كأحد أعمدة القيادة والإدارة التي جمعت بين الحزم الإدارى والإنسانية العميقة. لم يكن مجرد مسؤول يتقلد المناصب ويحقق النجاحات، بل كان إنساناً يحمل في قلبه انتماءً للوطن، ووفاءً للقطاع الذي أفنى عمره في خدمته، وحرصاً على كل من عمل معه.
عرف العاملون مع المهندس محمود نظيم رجلاً متواضعاً، قريباً من الجميع، لا يتوانى عن مساعدة أي موظف أو الاستماع لمشاكله، مهما كان منصبه أو درجته الوظيفية، كان مكتبه مفتوحاً دائماً للجميع، يحرص على حل المشكلات بنفسه، ويقدم النصيحة بحكمة القائد الذي يرى أبعد مما يراه الآخرون.
كان يرى أن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بما تحققه الشركات من أرباح، بل بما تزرعه القيادة من روح الانتماء بين العاملين، وهو ما جعل كل من عمل معه يشعر أنه شريك في المسؤولية، وليس مجرد موظف يؤدي دوره.
ارتبط اسم محمود نظيم بتأسيس كيانات بترولية كبرى بالإسكندرية، مثل:
•إيبروم (EPROM): التي أسهمت في إعداد كوادر فنية مدربة ومؤهلة، وكان يحرص بنفسه على متابعة برامج تدريب الشباب.
•أموك (AMOC): التي تحولت في عهده إلى قلعة إنتاجية لزيوت التشحيم والشموع، وأصبحت نموذجاً للجودة والانضباط.
•أنربك (ANRPC): التي دعمها لتصبح أحد الأعمدة الأساسية في منظومة التكرير.
كان يؤمن أن أي مؤسسة ناجحة تبدأ من تطوير العنصر البشري قبل أي توسعات مادية، لذلك لم يكن يكتفي بمتابعة التقارير والأرقام، بل كان حريصاً على النزول إلى مواقع العمل ومخاطبة المهندسين والفنيين مباشرة.
ترأس المهندس محمود نظيم عدداً من الشركات العملاقة مثل: أموك، الإسكندرية للبترول، سوميد، ميدور، وترك في كل منها بصمة واضحة. لكن ما ميزه لم يكن فقط الإنجاز الإداري، بل أسلوبه القيادي الفريد الذي جمع بين الانضباط والإنسانية.
كان لا يتردد في منح الفرصة للشباب، ويؤمن بقدراتهم، ويحرص على دمجهم في مواقع المسؤولية، إيماناً منه بأن تجديد الدماء هو الطريق لاستدامة النجاح. وقد أشاد به كل من عمل تحت قيادته لكونه “قائداً يتعامل كالأب والمعلم”، لا كالرئيس المتسلط.
في أصعب أيام ثورة 25 يناير 2011، تجلت إنسانية محمود نظيم. فقد رفض مغادرة مكتبه بوزارة البترول، وبات ليالٍ طويلة يتابع بنفسه تلبية احتياجات السوق من الوقود في ظل الاضطرابات.
وقتها، أرسل له المهندس هاني ضاحي، رئيس هيئة البترول حينها، مرتبة للنوم داخل مكتبه حتى لا يغادر موقعه. كان هذا المشهد رمزاً للتفاني النادر والإخلاص الذي ميز شخصيته، حيث وضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، واعتبر البقاء في موقعه واجباً لا ترفاً.
حتى بعد خروجه للمعاش، لم يتوقف عطاؤه. استعانت به شركة سونكر، التي تحولت على يديه إلى شركة رائدة في مجال تخزين وتداول المواد البترولية. بخبرته ورؤيته، ووضعها في مصاف الشركات الكبرى، ليثبت أن الخبرة لا تفقد بترك المنصب، بل تزداد قيمة وتأثيراً.
لم يكن محمود نظيم مجرد مسؤول حقق نجاحات، بل كان مدرسة متكاملة في القيادة والإدارة، تعلمت منها أجيال من القيادات الشابة معنى الالتزام والانتماء. كان مثالاً للقائد الذي يجمع بين الحزم واللين، وبين الإدارة بالعلم والإدارة بالإنسانية.
ويبقى المهندس محمود نظيم اسماً بارزاً في تاريخ قطاع البترول، ليس فقط لما حققه من إنجازات مهنية، بل لأنه قدّم نموذجاً للقائد الإنساني الذي يرى في كل موظف طاقة يجب استثمارها، وفي كل أزمة فرصة للابتكار.
إنه بالفعل أحد “القادة العظماء” الذين لا تنساهم ذاكرة القطاع، ورمز يحتذى به لكل من يسعى إلى خدمة الوطن من موقع المسؤولية بروح المخلص الأمين .
ولهذا لم يكن تأثير المهندس محمود نظيم مقتصراً على إنجازاته الإدارية أو قراراته الحاسمة، بل امتد إلى نفوس كل من عمل معه، حتى صار رمزاً للقيادة الإنسانية التي تُلهم من حولها.
يقول أحد المهندسين الذين عملوا تحت قيادته: “كان يستمع إلينا وكأنه واحد منا، لم نشعر يوماً أنه رئيس يجلس في برج عاجي، بل كان حاضراً بيننا في مواقع العمل، يسأل عن تفاصيل صغيرة قبل الكبيرة، ويهتم بأدق مشكلات العاملين وكأنها همومه الشخصية.”
ويضيف أحد مديري الإدارات السابقين: “تعلمت من المهندس محمود نظيم أن القيادة ليست أوامر تُعطى من المكتب، بل وجود دائم بين الناس، ودعمهم في كل الظروف. لم أنسَ يوماً حين بادر بحل أزمة شخصية لأحد الزملاء، قائلاً: (إذا لم نشعر ببعضنا كبشر، فماذا يعني العمل؟).”
كما تروي إحدى الموظفات قائلة: “كان يتعامل معنا كأب قبل أن يكون رئيساً، كان يحفزنا بكلمات بسيطة لكنها صادقة، تجعلنا نؤدي عملنا بحب وإخلاص. لم يكن يكتفي بالثناء العلني، بل كان يحرص على أن يشكر كل موظف على جهده بشكل شخصي.”
هذه الشهادات تكشف أن إرث محمود نظيم لم يُكتب فقط في تقارير الإنجازات أو أرقام الإنتاج، بل في قلوب كل من عرفوه وعملوا معه، حيث ترك فيهم قيماً من الإنسانية والتواضع، جعلته قائداً استثنائياً، يُحفر اسمه في ذاكرة القطاع ليس كمدير ناجح فقط، بل كإنسان نادر يجمع بين القيادة والرقي الإنساني.
#سقراط