مدحت نافع يكتب: النفط.. وزارة تتولى إدارة المخاطر

مدحت نافع يكتب: النفط.. وزارة تتولى إدارة المخاطر

دلفت إلى قاعة الاجتماعات فى وزارة البترول، وأنا مثقل بأسئلة حول مصير إمدادات الطاقة فى ظل حرب مشتعلة فى الإقليم، وتعطيل محتمل للملاحة فى مضيق هرمز، وقلق متصاعد يخيّم على الأسواق العالمية، ناهيك عن قلق متجذّر من تراجع لأهمية تخطيط الطاقة فى مصر منذ ما يزيد على عقدين من الزمن. كنت أحمل توقّعاتى عن لقاءات كثير من الوزراء مع الخبراء وممثلى الإعلام، والتى لا تخلو من العلاقات العامة والبروتوكول المصطنع، لكن سرعان ما تبددت تلك الظنون. بمجرد دخول المهندس كريم بدوى وزير البترول وفريق عمل الوزارة من القيادات البارزة، وطوال ما يقرب من ثلاث ساعات كاملة خلت من التكلّف والإنكار، كانت أجواء اللقاء كاشفة عن تطوّر كبير فى وزارةٍ عُرف عنها التكتّم والتقتير فى المعلومات.

لم يكن الاجتماع يشى بروتينية اللقاءات الرسمية، بل بدا أقرب إلى ورشة عمل مفتوحة، طُرحت فيها الأسئلة الصعبة بلا تحفّظ أو مواربة، وكان السؤال الحاضر فى كل الأذهان: هل نحن مستعدون لأسوأ السيناريوهات؟ كان الوزير منفتحًا على أصعب الأسئلة وأكثرها حدة، لم أضبطه ممتعضًا لحظة واحدة طوال الاجتماع! كان دائمًا مُقرًا بمواضع النقص، غير متهم لأحد، عازمًا على تلافيها بخطة مدروسة، وحزمة من الإجراءات، دون اختباء خلف موقف دفاعى، أو منطق لا يسيغه الحضور. خلال اللقاء، قدّم الوزير عرضًا شاملًا لرؤية واستراتيجية وزارة البترول والثروة المعدنية التى بنيت على ستة محاور، يأتى فى مقدمتها تعظيم القدرة على جذب الاستثمارات وزيادة أنشطة الاستكشاف والإنتاج، وذلك من خلال تقديم حوافز مجدية للشركاء الاستثماريين، والحرص على سداد مستحقاتهم، الأمر الذى عزز من ثقتهم فى القطاع، وأعاد الزخم لعمليات البحث والتنقيب والإنتاج. كما نوّه الوزير بأهمية تقليص الاعتماد على الاستيراد، عبر رفع مستويات الإنتاج المحلى، واعتماد التكنولوجيا الحديثة والحلول الذكية التى تساهم فى تحسين كفاءة الإنتاج. كان تنوّع خلفيات الحاضرين وتخصصاتهم عائقًا نسبيًا أمام الغوص العميق فى التفاصيل الفنية، التى كنت أتوق إليها شخصيًا، لكنه أضفى على الاجتماع ثراءً لافتًا من حيث تعدد الزوايا المطروحة، كما عكس صورة مصغّرة من المجتمع الذى يتطلّع إلى أن تُفضى مثل هذه اللقاءات إلى حلول ملموسة لأزماته، وفى مقدّمتها إنهاء التلويح بعودة تخفيف الأحمال، أو الرفع المستمر فى أسعار المحروقات بل سقوف معلومة. مع ذلك، كشفت إجابات الوزير عن أسئلة الخبراء والمختصين، ملامح خطة الطوارئ التى تم تفعيلها لسد العجز فى احتياجات الغاز الطبيعى خلال أشهر صيف ٢٠٢٥.

وقد امتدت التفاصيل إلى التدابير الاستثنائية (مثل قطع الغاز عن مصانع الأسمدة لفترات محدودة)، وإلى عدد وحدات التغويز التى تم التعاقد عليها من أجل تعويض الغاز القادم من إسرائيل، ونقص الأنتاج الذى بدأ دورته مبكرًا منذ نحو أربع سنوات، على خلفية تأخير مستحقات الشريك الأجنبى.

كنت حريصًا فى مداخلتى على المناداة بعودة جهاز تخطيط الطاقة، وعلى وضع حدود فارقة بين دعم المحروقات من جهة، وبين تجاوز التكاليف السعر السوقى بفعل موروث الهدر والفاقد وسوء التخطيط وغياب حوكمة التعاقدات وعقود التحوّط ضد الصدمات من جهة أخرى.

مؤكدًا على ما أشار إليه الوزير من ضرورة انخفاض سعر المنتج المحلى عن المستورد، ومضيفًا إلى ذلك مفهومًا – لا يخفى على الوزير- وهو مبدأ تعادل القوى الشرائية مع الدول المقارنة، قبل الزعم بأننا الأقل سعرًا! مؤكدًا على تعدد فرص تعزيز الكفاءة فى وزارتى الكهرباء والبترول وبينهما، كما أكدت على احترامى لخروج الوزير من قالب إدارة الأزمة إلى إدارة المخاطر، مشيرًا إلى ما يعرف بالخطر المتبقى، بعد تفعيل مختلف الضوابط. ذلك لأن إدارة المخاطر أقل كلفة من إدارة الأزمات.

انتهى الاجتماع على وعدٍ بأن يكون فاتحة لسلسلة من حلقات الحوار المجتمعى المنتظم، تستلهم فيها التجارب الدولية، ومنها التجربة الأمريكية، حيث تعقد وزارة الطاقة لقاءات دورية، يشارك فيها كبار العلماء والتنفيذيين إلى جانب المسؤولين الرسميين. ففى إحدى جلسات عام ٢٠٢٣ المخصصة لمستقبل الطاقة النووية، أدار الوزير النقاش بحضور واسع، بينما تولّت المستشارة العلمية الرد على الأسئلة الفنية أمام الإعلام، فى مشهد يعكس تكامل الأدوار وتوزيع الصلاحيات دون تداخل أو ارتباك. أما فى كندا، فوزارة الموارد الطبيعية تُنظّم ما يسمى بـ«الموائد المستديرة الوطنية»، حيث يشارك فيها القطاع الخاص والأكاديميون، ويتبادل فيها الوزير والمساعدون الفنيون النقاش دون تمييز.