مرضى الكلى في غزة: أعباء متزايدة تحت وطأة الحرب المدمرة

مرضى الكلى في غزة: أعباء متزايدة تحت وطأة الحرب المدمرة

خان يونس – المركز الفلسطيني للإعلام

في إحدى زوايا قسم غسيل الكلى داخل “مجمع ناصر الطبي”، يجلس رجل ستيني بعينين غائرتين وذراع موصولة بأنابيب الغسيل، بينما يحدّق في سقف الغرفة كما لو كان يعدّ دقات قلبه المتبقية.

على بعد أمتار، طفل في الثانية عشرة من عمره ينتظر دوره، يحمل في عينيه سؤالًا لا يحتاج إلى ترجمة: “هل سأعيش للأسبوع القادم؟”

تحوّل مجمع ناصر إلى الحصن الطبي الأخير لأكثر من مليون إنسان في جنوب قطاع غزة، بعد أن التهمت الحرب المستشفيات الأخرى، إما قصفًا أو إخلاءً قسريًا.

وسط هذا الانهيار، يقف قسم غسيل الكلى في المجمع كجندي وحيد يواجه طوفان المرضى، دون عتاد، دون طاقة، ودون طاقمٍ كافٍ.

مدير المستشفيات الميدانية في غزة، الدكتور مروان الهمص، يصف الوضع بأنه “انهيار منظم، لكنه بطيء، ومُميت”، مشيرًا إلى أن القسم تجاوز 250% من طاقته الاستيعابية، في ظل تقليص الجلسات من ثلاث أسبوعيًا إلى واحدة فقط لا تكفي لإنقاذ حياة.

ثلاثون جهاز غسيل فقط تخدم مئات المرضى يوميًا، الأطباء، وعددهم لا يتجاوز الثمانية، يعانون من إنهاك جسدي ونفسي، ويخوضون سباقًا محمومًا مع الزمن لإنقاذ الأرواح. “في كل مرة نختار من يحيا ومن ينتظر الموت”، يقول أحدهم، طالبًا عدم ذكر اسمه.

حالات سوء تغذية، فقدان للوزن، وإرهاق لا يحتمله جسد بشري، المرضى يصلون إلى المستشفى بجهد يشبه النجاة من معركة. “فقدت أكثر من 20 كيلو من وزني”، يقول أبو أدهم طبازة، وهو رجل في العقد الخامس من عمره.

يضيف: “كل مطب في الطريق أشعر أنه قد يقتلني. حتى الطريق إلى الحياة أصبح مميتًا”.

في غرفة الغسيل، لا تكمن الخطورة فقط في نقص الأدوية أو الأجهزة، بل في سلك كهرباء قد ينقطع في أية لحظة، فيحيل الدم إلى سم قاتل. “انقطاع التيار خلال الجلسة قد يعني الوفاة خلال دقائق”، يقول الهمص، مشيرًا إلى نقص حاد في الوقود والمولدات، في ظل حصار خانق وتدمير ممنهج للبنية التحتية الصحية.

من بين 1150 مريضًا مسجّلين قبل الحرب، فقد القطاع أكثر من 450 بسبب نقص العلاج وتوقف مراكز الغسيل، أي أن واحدًا من كل ثلاثة مرضى فشل كلوي فارق الحياة، لا بسبب مضاعفات المرض، بل نتيجة “الإعدام التدريجي”، كما يصفه الأطباء.

تدمير مركز نورة الكعبي لغسيل الكلى في شمال القطاع، ونسف المستشفيات المركزية، ليس مجرد صدفة حربية. بل هو – كما تشير مصادر طبية – “جزء من خطة لتفكيك البنية الصحية، وتجريد المدنيين من الحق في الحياة”.

في وقت يُمنع فيه الدواء وتُقصف فيه المستشفيات، يبقى الأمل الوحيد هو في كسر جدار الصمت الدولي، وتدخل عاجل يضمن استمرار الحياة لمن تبقّى من مرضى الكلى. هؤلاء لا يطلبون رفاهية، بل حقًا بسيطًا: جلسة غسيل كلى… وكرامة في الحياة.