مرضى الكلى في غزة: أعباء متزايدة تحت وطأة الحرب المدمرة

خان يونس – المركز الفلسطيني للإعلام
في إحدى زوايا قسم غسيل الكلى داخل “مجمع ناصر الطبي”، يجلس رجل ستيني بعينين غائرتين وذراع موصولة بأنابيب الغسيل، بينما يحدّق في سقف الغرفة كما لو كان يعدّ دقات قلبه المتبقية.
على بعد أمتار، طفل في الثانية عشرة من عمره ينتظر دوره، يحمل في عينيه سؤالًا لا يحتاج إلى ترجمة: “هل سأعيش للأسبوع القادم؟”
مركز متهالك في وجه عاصفة إنسانية
تحوّل مجمع ناصر إلى الحصن الطبي الأخير لأكثر من مليون إنسان في جنوب قطاع غزة، بعد أن التهمت الحرب المستشفيات الأخرى، إما قصفًا أو إخلاءً قسريًا.
وسط هذا الانهيار، يقف قسم غسيل الكلى في المجمع كجندي وحيد يواجه طوفان المرضى، دون عتاد، دون طاقة، ودون طاقمٍ كافٍ.
41 % من مرضى الفشل الكلوي بقطاع غزة توفوا بسبب انعدام العلاج. pic.twitter.com/Xp31OZ14sY
— Ibtihal (@Ibtihal4Gaza) June 12, 2025
مدير المستشفيات الميدانية في غزة، الدكتور مروان الهمص، يصف الوضع بأنه “انهيار منظم، لكنه بطيء، ومُميت”، مشيرًا إلى أن القسم تجاوز 250% من طاقته الاستيعابية، في ظل تقليص الجلسات من ثلاث أسبوعيًا إلى واحدة فقط لا تكفي لإنقاذ حياة.
جهاز لكل عشرين مريضًا
ثلاثون جهاز غسيل فقط تخدم مئات المرضى يوميًا، الأطباء، وعددهم لا يتجاوز الثمانية، يعانون من إنهاك جسدي ونفسي، ويخوضون سباقًا محمومًا مع الزمن لإنقاذ الأرواح. “في كل مرة نختار من يحيا ومن ينتظر الموت”، يقول أحدهم، طالبًا عدم ذكر اسمه.
توقف أجهزة غسيل الكلى في مستشفى شهداء الأقصى بقطاع #غزة@abdallahmiqdad pic.twitter.com/UZnB8zy0mp
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) June 11, 2025
فقر دم.. جوع.. وأجساد تذوب
حالات سوء تغذية، فقدان للوزن، وإرهاق لا يحتمله جسد بشري، المرضى يصلون إلى المستشفى بجهد يشبه النجاة من معركة. “فقدت أكثر من 20 كيلو من وزني”، يقول أبو أدهم طبازة، وهو رجل في العقد الخامس من عمره.
يضيف: “كل مطب في الطريق أشعر أنه قد يقتلني. حتى الطريق إلى الحياة أصبح مميتًا”.
الحكم بالإعدام على مرضى الكلى في غزة… مجددًا، يمعن الاحتلال الإسرائيلي في تضليل المجتمع الدولي؛ ففي الوقت الذي يعلن فيه عن استئناف دخول المساعدات، كانت طائراته تقصف مستودع الأدوية في مجمع ناصر الطبي، مستهدفة ما تبقى من الأدوية ومدمرة لكل مستهلكات مرضى غسيل الكلى، ما يعني فعليًا… pic.twitter.com/9HQr8KPTPl
— Dr.Muneer Alboursh د.منيرالبرش (@Dr_Muneer1) May 19, 2025
كهرباء مقطوعة.. وأرواح معلقة بأسلاك متهالكة
في غرفة الغسيل، لا تكمن الخطورة فقط في نقص الأدوية أو الأجهزة، بل في سلك كهرباء قد ينقطع في أية لحظة، فيحيل الدم إلى سم قاتل. “انقطاع التيار خلال الجلسة قد يعني الوفاة خلال دقائق”، يقول الهمص، مشيرًا إلى نقص حاد في الوقود والمولدات، في ظل حصار خانق وتدمير ممنهج للبنية التحتية الصحية.
أكثر من مجرد أرقام
من بين 1150 مريضًا مسجّلين قبل الحرب، فقد القطاع أكثر من 450 بسبب نقص العلاج وتوقف مراكز الغسيل، أي أن واحدًا من كل ثلاثة مرضى فشل كلوي فارق الحياة، لا بسبب مضاعفات المرض، بل نتيجة “الإعدام التدريجي”، كما يصفه الأطباء.
♦️ مرضى الكلى في قطاع #غزة.. موت بطيء ومعاناة مستمرّة بلا رحمة pic.twitter.com/H2KiMbL2AI
— قدس فيد (@quds_feed) June 3, 2025
تدمير مركز نورة الكعبي لغسيل الكلى في شمال القطاع، ونسف المستشفيات المركزية، ليس مجرد صدفة حربية. بل هو – كما تشير مصادر طبية – “جزء من خطة لتفكيك البنية الصحية، وتجريد المدنيين من الحق في الحياة”.
بعد أن تم ترميمه وإعادة افتتاحه قبل أسابيع لخدمة مرضى الغسيل الكلوي، حيث إنه المركز الوحيد لغسيل الكلى في مدينة غزة ومحافظة الشمال، والذي كان يخدم أكثر من 160 مريضًا بالفشل الكلوي في شمال القطاع، ورغم أنه كان يعمل وسط صعوبات نقص الوقود واللوازم الطبية، قام الاحتلال الإسرائيلي… pic.twitter.com/Aa1m3zxhC4
— Dr.Muneer Alboursh د.منيرالبرش (@Dr_Muneer1) June 1, 2025
في وقت يُمنع فيه الدواء وتُقصف فيه المستشفيات، يبقى الأمل الوحيد هو في كسر جدار الصمت الدولي، وتدخل عاجل يضمن استمرار الحياة لمن تبقّى من مرضى الكلى. هؤلاء لا يطلبون رفاهية، بل حقًا بسيطًا: جلسة غسيل كلى… وكرامة في الحياة.