عصابة أبو شباب في شرق رفح: وسيلة بيد الاحتلال لاثارة الفوضى في غزة.

عصابة أبو شباب في شرق رفح: وسيلة بيد الاحتلال لاثارة الفوضى في غزة.

غزة-  المركز الفلسطيني للإعلام

تكثّف الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، إلى جانب فصائل المقاومة، عملياتها الميدانية ضد إحدى أخطر العصابات المسلحة التي ظهرت مؤخرًا في المناطق الشرقية من محافظة رفح، والتي تتلقى دعمًا مباشرًا من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتُدار ميدانيًا من قبل المدعو ياسر أبو شباب، أحد الفارين من سجون غزة خلال الحرب الأخيرة.

في تطور أمني لافت، اشتبكت مجموعة من المقاومة الفلسطينية الليلة الماضية مع عناصر هذه العصابة، فيما تدخلت طائرة مُسيّرة إسرائيلية لتوفير غطاء جوي، مكّنت أفراد العصابة من الانسحاب، وأسفرت عن استشهاد أربعة من عناصر المقاومة.

هذا التدخل المتكرر من جيش الاحتلال لحماية العصابة، لم يكن الأول من نوعه، إذ تؤكد مصادر ميدانية أن الجيش وفّر سابقًا مظلة حماية لها خلال مواجهات مماثلة، وهو ما يعزز المؤشرات على تبني الاحتلال لهذه المجموعة كأداة لنشر الفوضى داخل القطاع.

فوضى وحصار مالي في غزة يدفع بالقطاع إلى انهيار اقتصادي ممنهج


تفاصيل نشأة هذه العصابة كُشف عنها مؤخرًا من مصادر أمنية فلسطينية، أكدت أن بدايتها تعود إلى أواخر عام 2024، حين شرعت أجهزة الاحتلال في إنشاء مجموعة مسلحة تعمل بإشرافها المباشر، مستغلة الفراغ الأمني في بعض مناطق رفح، خاصة قرب معبر كرم أبو سالم جنوب شرق المدينة، وهو المعبر الذي تستخدمه إسرائيل لإدخال البضائع والمساعدات الإنسانية لغزة.

استغلال المعبر مكّن العصابة من السطو على الشحنات والمساعدات، وإعادة بيعها للسكان، مما وفّر لها مصادر تمويل ثابتة، وفتح لها باب استقطاب عناصر جدد مستعدين للعمل مقابل المال، في ظل الحصار والظروف الاقتصادية الصعبة.

غزة في مواجهة نموذج لحد.. هل يعيد الاحتلال إنتاج عملائه؟


تقول المصادر الأمنية إن ياسر أبو شباب – المولود في فبراير/شباط 1990 – كان معتقلاً منذ عام 2015 بتهم تتعلق بتجارة وترويج وتعاطي المخدرات، وصدر بحقه حكم بالسجن 25 عامًا.

لكن مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تمكن من الهرب من سجن أصداء الواقع غرب خان يونس، بعد تعرضه لقصف عنيف.

ومنذ تلك اللحظة، أعاد تواصله مع ضباط الاحتلال، الذين سرعان ما أعادوا دمجه ضمن خطة لإدارة شبكة إجرامية في القطاع.

وتشير المصادر إلى أن أبو شباب بات يطلق على نفسه لقب “قائد القوات الشعبية”، ويقود شبكة تتولى مهمات تشمل قطع الطرق على قوافل المساعدات، والسطو المسلح، وصولًا إلى إطلاق النار على مواطنين.

في المقابل، أكدت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن جهاز “الشاباك” يقف فعليًا خلف تجنيد ياسر أبو شباب ومجموعته، في إطار خطة تجريبية وضعها رئيس الجهاز رونين بار، وقدمها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تشمل إدخال كمية مدروسة من الأسلحة إلى قطاع غزة، دون التأثير الكبير على ميزان القوى، لكن بهدف اختبار إمكانية إيجاد نموذج “حكم بديل لحماس” في رقعة صغيرة داخل رفح.

وتوضح الصحيفة أن هذه العصابة تتألف من عشرات العناصر، معظمهم من أصحاب السوابق في قضايا جنائية ومخدرات وتهريب، وقد تم تجنيدهم بعناية من قبل ضباط الشاباك، وتم تدريبهم على العمل كقوة مرتزقة محلية تابعة للاحتلال.

المرتزقة نمطٌ متكررٌ في استراتيجية إسرائيل لتفكيك المجتمعات المقاومة


يبرز إلى جانب أبو شباب، شخصية غسان الدهيني – من مواليد رفح عام 1987 – والذي يقدم نفسه كنائب للقائد، ويُعتبر العقل المدبر للعصابة.

 تشير معلومات أمنية إلى أن الدهيني كان في السابق مسؤولًا ميدانيًا ضمن تنظيم “جيش الإسلام”، وكان له دور في التهريب عبر الحدود مع سيناء، إلى أن تم فصله لاحقًا على خلفية قضية أخلاقية.

الدهيني نشر مؤخرًا صورًا له على حسابه في “فيسبوك” وهو يطلق النار في مناطق سيطرة جيش الاحتلال، في مشهد يعكس حجم التنسيق بينه وبين القوات الإسرائيلية.

وسبق للسلطات في غزة أن اعتقلته مرتين: الأولى في مارس/آذار 2020، والثانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بتهم تتعلق بجرائم جنائية.

وتكشف مصادر إضافية أن شقيقه “وليد” أقدم على الانتحار داخل أحد السجون في غزة منتصف عام 2018، بعد توقيفه في قضية مخدرات.

إلى جانب أبو شباب والدهيني، تضم العصابة عددًا من الأفراد المعروفين بارتكاب جرائم سابقة، أبرزهم “عصام النباهين” من مخيم النصيرات، والمتهم بقتل عنصر شرطة خلال محاولة القبض عليه في قضية ذمة مالية.

 وصدر بحقه حكم بالإعدام قبل أن يهرب من السجن مع بداية العدوان الإسرائيلي الأخير.

النباهين معروف بعلاقته مع ضباط في أجهزة أمنية في رام الله، رغم أن السلطة الفلسطينية نفت أي ارتباط بالعصابة، وقال اللواء أنور رجب – الناطق باسم الأجهزة الأمنية – إن السلطة لا تتعامل مع مجموعات تنسب نفسها لأفراد.

تسليح الميليشيات في غزة .. بين فشل الاحتلال العسكري وهندسة الفوضى


مؤخرًا، صنّف جهاز أمن المقاومة أفراد عصابة أبو شباب ضمن قائمة المطلوبين أمنيًا، وبدأ بتوسيع نشاطه الاستخباري والميداني لتحديد تحركاتهم واستهدافهم.

وأكد مصدر قيادي أمني أنه سيتم التعامل مع هذه العصابة بنفس قواعد الاشتباك التي تطبّق على جيش الاحتلال، نظرًا لخطورة أدوارها.

وفي مايو/أيار الماضي، بثت كتائب القسام مقطعًا مصورًا يُظهر استهدافًا مباشرًا لعناصر من العصابة، في كمين نُصب لهم شرق رفح، وهو ما فُهم حينها كرسالة واضحة بأن “القوات الشعبية” التابعة لأبو شباب باتت هدفًا مشروعًا للمقاومة المسلحة.

في الوقت الذي تعاني فيه غزة من تبعات حرب مدمرة، تظهر هذه العصابة كنموذج واضح على محاولات الاحتلال زرع كيانات فوضوية مسلحة داخل القطاع، عبر استخدام عناصر جنائية سابقة، وتغليفهم بخطاب مدني زائف.

ما يجري شرق رفح ليس مجرد تمرد محلي، بل مشروع إسرائيلي مدروس، يهدف إلى تقويض الجبهة الداخلية، وتشتيت جهود المقاومة، وخلق واقع أمني مفخخ بالشكوك والانقسامات.