تسليح الجماعات في غزة: عند مفترق بين إخفاق الاحتلال العسكري وتخطيط الفوضى

تسليح الجماعات في غزة: عند مفترق بين إخفاق الاحتلال العسكري وتخطيط الفوضى

غزة- المركز الفلسطيني للإعلام

في منعطف خطير يعكس حجم المأزق العسكري والسياسي الذي تواجهه “إسرائيل” في قطاع غزة، اتجهت حكومة الاحتلال إلى تسليح عصابات مسلحة وعناصر منفلتة محلية، في خطوة عدّت انعكاسًا مباشرًا لعجز المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن تحقيق أهدافها منذ بداية العدوان المستمر قبل أكثر من 20 شهرًا.

هذه الخطوة المثيرة للجدل أثارت ردود فعل واسعة في الأوساط الفلسطينية والدولية، وسط تحذيرات من تداعياتها الأمنية والإنسانية.

غزة في مواجهة نموذج لحد.. هل يعيد الاحتلال إنتاج عملائه؟


منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر 2023، فشلت “إسرائيل” في القضاء على حركة حماس أو استعادة الأسرى، رغم استخدام كل أشكال القوة العسكرية والحصار الخانق. ومع انحسار الإنجازات الميدانية وتصاعد الضغوط السياسية الداخلية والدولية، لجأت حكومة بنيامين نتنياهو إلى خيار أكثر تطرفًا: تشكيل وتمويل وتسليح ميليشيات داخل غزة، تحت ذريعة “محاربة حماس من الداخل” ومنع وصول المساعدات إليها.

وفي تصريح رسمي مثير، أقر نتنياهو مؤخرًا بأنه قام بـ”تنشيط العشائر” داخل القطاع، في محاولة لتبرير الخطوة أمام جمهوره الداخلي، لكنه في الواقع كشف عن فشل مركّب في تحقيق الردع العسكري والاستقرار الأمني.

يرى محللون أن الخطوة الإسرائيلية تتجاوز مجرد خيار تكتيكي إلى ما هو أعمق: هندسة الفوضى المجتمعية كأداة حرب.

حيث تسعى إسرائيل إلى إعادة إنتاج مشهد مشابه لتجربتها السابقة في جنوب لبنان عبر “جيش أنطوان لحد”، الذي انهار بمجرد انسحاب الاحتلال، تاركًا خلفه حالة من الفوضى والفراغ.

وفي هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا: “لجوء الاحتلال إلى تشكيل عصابات مسلحة محلية دليل دامغ على فشل حملته العسكرية، هذه الجماعات لا تملك أي شرعية اجتماعية، ولا تحظى بقبول شعبي أو عشائري، وهي معزولة عن السلطة الفلسطينية بشكل كامل”.

وأكد القرا أن المجموعات، التي بدأت بالظهور في مناطق مثل شرق رفح، تمثل مشروعًا هشًا وقابلًا للانهيار، خصوصًا في حال حدوث تهدئة أو انسحاب إسرائيلي، ما يجعلها في مواجهة مباشرة مع الغضب الشعبي الفلسطيني.

أخطر ما في هذا التحول ليس فقط طبيعته الأمنية، بل تبعاته الإنسانية والحقوقية، حيث أكد رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الدكتور رامي عبده، أن ما يجري “يشكل جريمة حرب وجريمة إبادة جماعية”، بموجب القانون الدولي.

وفي حديث صحفي، قال عبده: “هذه العصابات المسلحة التي ترعاها إسرائيل، تمارس أعمال سلب ونهب لقوافل المساعدات، وتطلق النار على المدنيين، وتمنع توزيع الإمدادات الإنسانية، ما يجري هو توظيف للمجاعة كسلاح حرب”.

وأشار عبده إلى أن الاحتلال لا يكتفي بحصار غزة ومنع إدخال المساعدات، بل يقوم بإعادة توزيع موازين القوى المجتمعية لصالح وكلاء مسلحين، بما يعمّق من الانهيار المجتمعي والإنساني.

وأكد أن الهدف الأساسي من هذه السياسة هو “إبقاء السكان في حالة دائمة من الجوع والفوضى والانهيار”، داعيًا إلى تدخل دولي عاجل لنزع سلاح هذه الميليشيات وفتح تحقيقات في عمليات نقل الأسلحة داخل مناطق مدنية.

وعلى الرغم من محاولات الاحتلال الإيحاء بوجود تنسيق أمني مع بعض الجهات الفلسطينية، فإن الواقع على الأرض ينفي ذلك تمامًا، حيث لا تحظى هذه الجماعات بأي غطاء رسمي من السلطة الفلسطينية، كما أن العشائر الكبرى في غزة أعلنت براءتها من هذه التشكيلات.

يقول القرا: “ما تحاول إسرائيل الترويج له عن تنسيق مع السلطة أو تعاون عشائري ليس إلا وهمًا، هذه الجماعات تمثل مشروعًا خارجيًا مشبوهًا، وسرعان ما ستُجابه برفض وغضب شعبي متصاعد”.

يبدو أن ما يجري في غزة الآن لا يُبشّر فقط بفشل عسكري إسرائيلي، بل بدخول مرحلة أكثر خطورة: تحويل المجتمع الفلسطيني نفسه إلى ساحة صراع داخلي مفتعل.

وإذا استمر هذا النهج، فإن النتائج لن تتوقف عند حدود التدهور الأمني، بل قد تصل إلى انهيار شامل للبنية المجتمعية، واندلاع موجات من العنف الداخلي.

يختم عبده حديثه بتحذير واضح: “المجتمع الدولي مطالب الآن بالتحرك، إذا لم يتم كبح هذا التوجه، فنحن مقبلون على كارثة إنسانية غير مسبوقة في غزة، ستتحمل إسرائيل ومن يدعمها كامل المسؤولية عنها”.

في ضوء هذه التطورات، يُطرح السؤال الأكبر: هل يتحرك العالم لوقف سياسات الاحتلال التي تنزلق نحو الفوضى المنظمة، أم سيكتفي مجددًا بدور المتفرج على مشهد الإبادة المتكررة؟

إن تسليح مجموعات خارجة عن القانون في منطقة محاصرة ليس فقط انحرافًا سياسيًا وأخلاقيًا، بل سابقة قانونية خطيرة تتطلب موقفًا حاسمًا من المجتمع الدولي، قبل أن تتحول غزة إلى ساحة جديدة للتجارب الأمنية الإسرائيلية الفاشلة.