الجوع الإسرائيلي.. جانب آخر من معاناة الأطباء في غزة

الجوع الإسرائيلي.. جانب آخر من معاناة الأطباء في غزة

غزة- المركز الفلسطيني للإعلام

في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، يجلس الجراح الفلسطيني خالد السر على حافة سرير في غرفة العمليات، لا ليستريح من جراحة معقدة، بل لأنه ببساطة لم يعد قادرًا على الوقوف؛ لأنه لم يأكل منذ يومين.

يقول لمراسلنا: “أنا جائع… بطني يؤلمني أجريت عمليتين اليوم، وهناك ثالثة، لكن جسدي لا يقوى”. صوته مكسور، ووجهه شاحب، هو ليس مريضًا، بل طبيب، لكنه منهك كما المرضى الذين يعالجهم.

الأطباء في قلب المجاعة

في غزة، لم تعد المجاعة تهدد عامة المواطنين فقط، بل امتدت لتطال الطواقم الطبية المستنزفة بعد عمل مستمر منذ نحو 22 شهرًا استقبلت فيه أكثر من 200 ألف شهيد وجريح.

ويأتي التجويع ليفاقم معاناة منذ حولت قوات الاحتلال الطواقم الطبية إلى أهداف مستباحة طوال الـ 22 شهرا الماضية فاغتالت 1590 منهم، واصابت المئات واعتقلت أكثر من 350 في حين أخرجت غالبية المستشفيات عن العمل.

وفي مستشفى الشفاء بغزة، أُغمي على طبيب داخل غرفة العمليات بسبب انخفاض ضغط دمه. لا طعام، لا سكر، لا ماء — وفق ما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية.

التجويع كسلاح إبادة جماعية في غزة: شهادات وأدلة


في السابق، كانت المناوبة تعني صراعًا مع الوقت لإنقاذ الأرواح. اليوم، المناوبة أصبحت صراعًا من أجل البقاء على قيد الوعي.

يقول أحد الأطباء في المستشفى نفسه، رفض الكشف عن اسمه خوفًا من الاستهداف: “نحن نعمل 24 ساعة في اليوم، نُجري عشرات العمليات، والوجبة الوحيدة التي نأمل بها — قليل من الأرز — لم تصل اليوم. عالجت 60 مريضًا في جراحة الأعصاب… والآن لا أستطيع حتى الوقوف على قدمي”.

الوضع تجاوز حدود الإرهاق. الطواقم الطبية باتت مهددة جسديًا، بل وحياتها مهددة أيضًا.

يقول طبيب آخر: “لم آكل شيئًا منذ الأمس. لا شيء في الأسواق. أفكر بعائلتي طوال الوقت، كيف أؤمّن لهم القليل من العدس أو الدقيق؟ لا نعرف ماذا نفعل. لم نعد نتحمّل”.

المواقف الأووربية والإبادة الجماعية.. صيحات لا تُطعم المُجوّعين ولا تردع المعتدين


وفي مشهد مؤلم داخل مجمع ناصر الطبي، اضطر أحد الجراحين لإيقاف عملية جراحية لفتاة أُصيبت برصاصة في بطنها، بعدما شعر بدوار شديد نتيجة الجوع وانخفاض ضغط الدم، المفارقة القاسية أن الفتاة نفسها تعاني من سوء التغذية أيضًا.

مجاعة حقيقية

مدير مستشفى الشفاء، الدكتور محمد أبو سلمية، يؤكد أن الطواقم الطبية في غزة تعيش مجاعة حقيقية: “بعض الأطباء أُغمي عليهم. لم تصلنا أي وجبة طعام خلال 48 ساعة. إذا استمر هذا الوضع، لن يستطيع الطاقم مواصلة العمل، وسينهار ما تبقى من النظام الصحي”.

ووفق بيانات المستشفيات، تُوفي 24 مواطنا أغلبهم من الأطفال في غزة خلال ثلاثة أيام فقط بسبب الجوع وسوء التغذية.

ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة؛ فإن 115 فلسطينيا استشهدوا بسبب المجاعة وسوء التغذية في ظل انعدام شبه كامل للغذاء والماء والدواء.

التجويع الإسرائيلي يكتب النهاية لأجساد لم تنتهِ من الطفولة بعد في غزة


القرار الذي يواجهه الأطباء كل يوم مرير: هل يبقون في المستشفى لإنقاذ الأرواح؟ أم يخرجون للبحث عن طعام لعائلاتهم؟

الطريق إلى مراكز توزيع الغذاء محفوف بالخطر، فبعضها استُهدف، واستشهد المئات من المواطنين وهم يبحثون عن لقمة.

أما الحكيم أحمد أبو العطا، وهو مسؤول في أحد المشافي الميدانية وسط قطاع غزة، فيقول لمراسلنا إنه لم يتناول الطعام منذ أيام.
ويضيف أن أفراد الطاقم يقفون على أقدامهم لساعات طويلة تحت ضغط العمل، وقد بدأوا يشعرون بالدوار والإرهاق الشديد بسبب الجوع.

ويؤكد، رغم كل شيء، أنهم سيواصلون أداء واجبهم الإنساني، مهما كانت الكلفة، ومهما اشتد الجوع والتعب، مناشداً المنظمات الدولية والحقوقية والطبية التدخل الفوري لحماية الطواقم الطبية التي تتعرض لفظائع منذ بدء الحرب.