وثيقة “كالاس”: اتفاق بدون ضمانات وجوع يهدد حياة أطفال غزة

وثيقة “كالاس”: اتفاق بدون ضمانات وجوع يهدد حياة أطفال غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

بين الوعود الأوروبية والتصعيد الإسرائيلي المتواصل، تتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وسط مجاعة خانقة ونقص حاد في المساعدات. فالتفاهمات الأوروبية الإسرائيلية، التي وُصفت بأنها “نقطة تحوّل”، لم تجد طريقها إلى بطون الأطفال المجوّعين. فيما يصف مراقبون هذه التفاهمات بأنها “اتفاق بلا أسنان”، لم يُنفذ منه شيء، بينما يُترك أكثر من مليوني إنسان لمصيرهم في مواجهة الموت، قتلاً أو جوعًا.

ولوحت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، بأن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة إذا لم تلتزم إسرائيل بتعهداتها بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية في غزة.

وكتبت كالاس في منشور على منصة إكس اليوم الثلاثاء: “قتل المدنيين وهم يسعون للحصول على المساعدات في غزة أمر لا يمكن الدفاع عنه”، مضيفة أنها تحدثت مع وزير خارجية سلطات الاحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر “للتذكير بتفاهمنا بشأن تدفق المساعدات وأوضحت أن على الجيش الإسرائيلي التوقف عن قتل الناس في نقاط التوزيع”.

وكانت كالاس قد قالت، في وقت سابق من هذا الشهر، إن حكومة الاحتلال وافقت على توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بما في ذلك زيادة عدد شاحنات المساعدات ونقاط العبور والطرق المؤدية إلى مراكز التوزيع.

وذكرت أن هذه الإجراءات “تنفذ أو ستنفذ في الأيام المقبلة، مع التفاهم المشترك على ضرورة إيصال المساعدات على نطاق واسع مباشرة إلى السكان، ومواصلة اتخاذ التدابير لضمان عدم تحويل المساعدات إلى حماس”.

اتفاق بلا أسنان

وانتقد الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة وثيقة التفاهمات الأوروبية الإسرائيلية التي تحدّثت عنها كالاس، والتي كان يُفترض أن تمثل نقطة تحوّل في مسار الإغاثة الإنسانية لغزة. إذ تضمّنت بنودها فتح معابر عبر مصر والأردن، وتدفق الوقود، وتشغيل المخابز، بل ووصول مراقبين دوليين إلى القطاع.

وقال عفيفة في منشور عبر منصة “فيسبوك”: “كل شيء يبدو مثالياً على الورق. لكن في غزة، لا شيء تغيّر. لا وقود دخل، ولا معابر فُتحت كما وُعد، والموت ما يزال يُوزّع بدل الخبز، على وقع الغارات لا عبر المطابخ الجماعية”.

وأضاف: “المفارقة أن الاتفاق وُقّع في ذروة جريمة التجويع. ما قُدّم على أنه اختراق، لم يكن سوى محاولة للالتفاف على مطلب وقف إطلاق النار”.

وتوقّف عفيفة عند تصريحات كالاس، التي اعتبرت التفاهمات “انتصارًا” حين قالت: “سنعمل دون هدنة”، معتبرًا أن هذا التصريح “تحوّل عمليًا إلى ضوء أخضر لمواصلة الحرب والتجويع، تحت غطاء إنساني زائف”.

وأشار الكاتب السياسي إلى أن وثيقة التفاهم حدّدت تاريخ 23 يوليو/تموز الجاري كتاريخ للتقييم، مضيفًا: “تمر الأيام ثقيلة على الغزيين، فيما يواصل الاتحاد الأوروبي مراقبة التصعيد بصمت، دون أن تفي الأطراف بشيء من التزاماتها”.

وتساءل عفيفة: “هل سيكون التقييم الموعود اعترافًا بالفشل؟ أم مجرّد محاولة جديدة لتجميل وجه سياسي مأزوم؟”. كما لفت إلى أن الوثيقة استثنت – بحسب نصها – التعاون مع مؤسسات محلية فاعلة، أبرزها “مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)”، التي استشهد أمام نقاط توزيعها أكثر من 1026 مواطنًا من ضحايا سياسة التجويع الإسرائيلية.

وشدد على أن “الإغاثة لا تزال رهينة المزاج الإسرائيلي والابتزاز الإنساني… إنه اتفاق بلا أسنان، بلا ضمانات، بلا أثر. حبكة دبلوماسية متقنة توهم بأن شيئًا يحدث، بينما الواقع يسير في اتجاه معاكس تمامًا”.

وفي هذا السياق، قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الاتحاد الأوروبي “ساهم بشكل غير مباشر في تفاقم الأزمة من خلال الترويج إعلاميًا لاتفاق لم يُنفذ”، مضيفًا: “ظنّ الجوعى أن هناك مساعدات قادمة، ولم يقتصدوا في استهلاك ما لديهم، لتكون النتيجة كارثية”.

صور لا يمكن تحملها

من جهتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين اليوم الثلاثاء، إن صور المدنيين الذين يُقتلون في غزة أثناء توزيع المساعدات الإنسانية “لا يمكن تحملها”، وجددت دعوة الاتحاد الأوروبي إلى إيصال المساعدات الإنسانية بأمان وسرعة وإلى احترام القانون الدولي.

وكتبت فون دير لاين في منشور على منصة إكس للتواصل الاجتماعي: “لا يُمكن استهداف المدنيين. أبدا. الصور الواردة من غزة لا يمكن تحملها. يُجدد الاتحاد الأوروبي دعوته إلى تدفق المساعدات الإنسانية بحرية وأمان وسرعة، وإلى الاحترام الكامل للقانون الدولي والإنساني”.

وفي وقت سابق، دعت نحو 24 دولة غربية، أمس الاثنين، سلطات الاحتلال إلى إنهاء حربها على غزة فوراً، وانتقدت ما وصفته “بالقتل غير الإنساني” للفلسطينيين، وأكدت الدول أن نموذج تقديم المساعدات الذي تتبعه حكومة الاحتلال خطير ويغذي عدم الاستقرار ويحرم سكان غزة من كرامتهم الإنسانية.

نداء حقوقي للاتحاد الأوروبي

وأطلق عدد من مراكز حقوق الإنسان والمنظمات الدولية نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي، لإنقاذ أكثر من مليون طفل يواجهون خطر الموت جوعًا في واحدة من أسوأ أزمات المجاعة بالعالم منذ بداية القرن الحادي والعشرين.

وجاءت الدعوة استنادًا إلى تقارير الأمم المتحدة التي تؤكد أن أكثر من 90% من أطفال غزة يعانون من نقص غذائي حاد، ونحو نصف مليون طفل يواجهون خطر الموت البطيء بسبب سوء التغذية، في ظل حصار مستمر يمنع دخول المساعدات الأساسية.

وقالت المنظمات في رسالتها: إن الوضع في غزة لا يعد أزمة إنسانية فحسب، بل جريمة دولية مكتملة الأركان، تتمثل في استخدام التجويع كسلاح حرب في مخالفة صريحة لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.

وحذرت المنظمات من أن حصار قطاع غزة الذي يمتد لأكثر من عام ونصف، ويمس أكثر من مليوني إنسان، أدى إلى إبادة جماعية بطيئة تنعكس في ارتفاع أعداد الشهداء والضحايا من الأطفال والنساء، وسط تدمير ممنهج للبنية التحتية والموارد الأساسية.

وطالب النداء الذي وقعته 5 مراكز دولية وحقوقية، الاتحاد الأوروبي بالضغط الفوري على إسرائيل لرفع الحصار وفتح المعابر، والسماح بدخول المساعدات الغذائية والطبية دون شروط أو تأخير، فضلاً عن تفعيل آليات المساءلة الدولية ضد من يعرقل وصول الغذاء والدواء لأطفال غزة.

كما طالبت المنظمات بتبني البرلمان الأوروبي قرارًا عاجلاً يدين سياسة التجويع ضد المدنيين في غزة، ويدعو إلى تحرك أوروبي منسق لوقف هذه الجريمة الإنسانية الخطيرة، التي تحمل تداعيات واسعة على استقرار المنطقة والعالم.

وأكد النداء أن أطفال غزة ليسوا أرقاماً إحصائية، بل أرواح بريئة يجب أن تُنقذ، وأن الصمت الدولي والإقليمي اليوم سيترك وصمة لا تُمحى على الضمائر، معتبراً أن كل دقيقة تأخير تعني سقوط مزيد من الضحايا الأبرياء.

انهيار متسارع

وتؤكد معطيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين أونروا، تكدس آلاف الشاحنات الإغاثية على الجانب المصري من معبر رفح، فيما يُفرض حصار خانق من قبل الاحتلال الإسرائيلي يمنع المساعدات من الوصول.

وقال المستشار الإعلامي للأونروا” عدنان أبو حسنة، إن هناك مساعدات مكدسة في مخازن الوكالة الأممية تكفي سكان قطاع غزة ثلاثة أشهر في حال السماح لها بالعبور. وقال أبو حسنة في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إن الشاحنات الموجودة حالياً وبانتظار الموافقة الإسرائيلية بالعبور نحو القطاع تقدر بستة آلاف شاحنة، لكن مرورها مرهون بالموقف الإسرائيلي.

وأشار إلى أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تشهد انهيارًا دراماتيكيًا وغير مسبوق، حيث يعاني السكان من مجاعة حقيقية، ويُقدّر أن مئات الآلاف يتضورون جوعًا في ظل استمرار الحرب.

وقال أبو حسنة: “نحن أمام كارثة إنسانية مكتملة الأركان. قبل أسابيع كنا نتحدث عن معاناة 90% من سكان غزة من سوء التغذية، لكن اليوم يمكن القول إن جميع سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يعانون من هذه الأزمة، بمن فيهم الطواقم الطبية وعمال الإغاثة الإنسانية”.

ولفت إلى أن مياه الشرب أصبحت بمعظمها ملوثة، ولا تتوفر أي مقومات للحياة الأساسية، مضيفًا: “غزة أصبحت مرتعًا للأمراض، حيث نشهد انتشارًا كبيرًا لحالات فقدان المناعة وسوء التغذية، إلى جانب إصابات جسدية ونفسية حادة طاولت مئات الآلاف، وأدت إلى اضطرابات عقلية خطيرة”.

وفي وقتٍ سابق أعلنت وزارة الصحية تسجيل مستشفيات قطاع غزة 15 حالة وفاة، بينهم 4 أطفال، بسبب المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال 24 ساعة الماضية، ليصبح العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية 101 حالة وفاة، بينهم 80 طفل وسط خشية من ارتفاع العدد مع استمرار حالة التجويع.

ويعيش قطاع غزة أسوأ أيام حرب الإبادة على الإطلاق، في ظلّ تفشّي الجوع والمرض وانعدام المواد الغذائية، بفعل الحصار الإسرائيلي. وضجت شبكات التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو تُظهر انهيار مجوعين وإصابتهم بالإعياء وفقدان التوازن من جراء الجوع الشديد، بينما ظهرت آثار ذلك على أجسادهم التي بدت كهياكل عظمية.

ويفرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً على قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واشتدّ الحصار مطلع مارس/ آذار الماضي، ليبلغ ذروته في الأسابيع الأخيرة بعد نفاد مختلف المقوّمات الأساسية للحياة.