استراتيجيات المقاومة ورعب الاحتلال الإسرائيلي.. معادن غزة تتشكل أكثر تحت الضغوط.

استراتيجيات المقاومة ورعب الاحتلال الإسرائيلي.. معادن غزة تتشكل أكثر تحت الضغوط.

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

لم يكن تطور تكتيكات المقاومة الفلسطينية وزيادة جرأتها في مواجهة قوات الاحتلال في قطاع غزة، والذي تسبب في تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة وصلت إلى محاولة أسر أحد الجنود في خانيونس جنوب قطاع غزة، غائبًا عن الملاحظات الإسرائيلية وتحليل عسكرييها للوصول إلى توقعات مآلات العدوان الممتد منذ أكثر من 21 شهرًا، والتي تشير إلى تزايد محاولات المقاومة اختطاف جنود آخرين.

ورجحت التقديرات الإسرائيلية إمكانية وصول المقاومة إلى مرحلة خطف جنود، في ظل اعتمادها أسلوبًا جديدًا في الفترة الأخيرة، والذي فاجأ القيادة العسكرية ودفعها إلى محاولة وضع خطط جديدة لمواجهته.

ونقلت صحيفة يسرائيل هيوم عن مصدر مسؤول قوله إن المقاومة اعتمدت مؤخرًا أسلوب عمل يعتمد على التضحيات مع قدر أكبر من الجرأة والاحتكاك القريب مع القوات الإسرائيلية، موضحًا أنه على عكس العمليات السابقة التي اعتمدت على عمليات قصيرة ومحددة حرص الجيش الإسرائيلي مؤخرًا على الحفاظ على وجود مستمر في قلب مدن غزة بهدف “تطويق” مراكز قيادة المقاومة.

تغيُّر استراتيجيات المقاومة

وأشارت الصحيفة إلى أن حضور القوات الإسرائيلية قابلته المقاومة بتغيير في الإستراتيجية بدا واضحًا الأسبوع الماضي في خان يونس حين استهدف عناصر من المقاومة مركبة للجيش، وحاولوا اختطاف الرقيب الأول (احتياط) أفراهام عازولاي الذي كان يعمل على جرافة، قبل أن يقتلوه.

وذكرت الصحيفة أن التقديرات الأمنية ترجح أن تزداد محاولات الخطف، وأن تحاول المقاومة استثمار نقاط الضعف في انتشار القوات الميدانية التابعة للجيش الإسرائيلي.

وقالت إن توجيهات صدرت لقوات الجيش الإسرائيلي بالبقاء يقظة، وذلك بالتزامن مع العمل بانتظام على تقييم الوضع بعد كل عملية للمقاومة تسفر عن إصابات لاستخلاص الدروس العملياتية ومنع تكرار تلك الحوادث.

ومع ذلك، تقول “يسرائيل هيوم” إن تطوير المقاومة أنماط عمل مختلفة يطرح معضلات جديدة لقادة الجيش، مشيرة إلى أن من بين التساؤلات المطروحة داخل الجيش حاليًّا ما إذا كان ينبغي الاستمرار في دخول المنازل؛ حيث تضمنت الحوادث الأخيرة زرع متفجرات فيها، مما أدى إلى إلحاق ضرر بالجنود، إضافة إلى أفضل السبل لحماية المركبات المدرعة.

“حرب مروِّعة”

ومن جانبها، نقلت القناة الـ12 عن رئيس العمليات السابق في الجيش الإسرائيلي يسرائيل زيف قوله إن “حرب العصابات في غزة مروعة وتقلل كثيرا مكاسب جيشنا”، معتبرًا أن إسرائيل “غارقة بعمق شديد في حرب أهدافها متضاربة”.

وأضاف زيف أنه “لا يمكن لجيشنا السيطرة التامة، وحماس تستغل ذلك بالكر والفر وهجمات خاطفة”، محذرًا من أن الحرب قد تمتد سنوات طويلة “تحت شعارات النصر الفارغة دون حسم”.

يأتي هذا في سياق تزايد الشعور داخل وحدات الجيش الإسرائيلي بالعنت والتململ بسبب طول امد الحرب، مع وقوع خسائر متصاعدة في الآونة الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى نقصان حاد في عدد الجنود المكلفين بأداء مام قتالية داخل قطاع غزة.

تململ داحل الجيش

وفي هذا الشأن قال جنود بوحدات النخبة الإسرائيلية، إن القيادة تكلفهم بمهام لا تتوافق مع تدريباتهم، مشيرين إلى أنها (القيادة) تطلب منهم القيام بمهام وحدات المشاة بسبب النقص بعد مقتل وجرح نحو 10 آلاف جندي.

ونقلت القناة الـ 12 الإسرائيلية عن جنود في النخبة (مثل الكوماندوز وماجلان) شكواهم من تكليفهم بنشاطات عسكرية تستغرق أحيانًا 12 ساعة متواصلة.

من جهته، قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن المتقاعد نضال أبو زيد إن العمليات المتزامنة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في كل من خان يونس جنوب قطاع غزة والشجاعية شرقي مدينة غزة، تؤكد تمسكها بمبدأ التخطيط المركزي والتنفيذ اللامركزي، وهو ما يدل على تماسك منظومة القيادة والسيطرة لديها.


واقع ميداني جديد

ورأى أبو زيد -خلال تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة في لقاء على شبكة الجزيرة- أن التزامن الزمني والدقة في اختيار المواقع يعكسان قدرة المقاومة على تشكيل مسرح عمليات متعدد المحاور رغم مرور أكثر من 640 يوما من الحرب، موضحا أن ذلك يُنتج واقعا ميدانيا جديدا يتمثل في تشكيل مثلثات جغرافية عملياتية تُعيد رسم البيئة القتالية.

وفي هذا السياق، تحدث أبو زيد عن نشوء مثلث عملياتي جنوبي في محيط القرارة وعبسان وبطن السمين داخل خان يونس، بالتوازي مع مثلث شمالي في مناطق بيت حانون والشجاعية وجباليا، ما يفرض على جيش الاحتلال تحديات متجددة في أكثر من جبهة قتالية.

وأكد أبو زيد أن فرض المقاومة لواقع عملياتي جديد عبر رسم بيئة ميدانية مغلقة يحاصر قوات الاحتلال ويستنزفها، وخاصة الفرقة 99 التي تم الاستعاضة عنها مؤخرًا بالفرقة 252 في المحور الشمالي، مشيرًا إلى أن المقاومة نجحت رغم تكرار اجتياح منطقة خان يونس الغربية من الفرقة 98 المظلية.

مؤشر فشل

وأشار إلى أن استخدام الاحتلال القنابل الدخانية وتحليق الطائرات المروحية في محيط الاشتباكات يدل -وفق المفاهيم العسكرية- على سعيه لتخليص قواته من كمين كبدها خسائر كبيرة، في مؤشر على فشل السيطرة البرية المستدامة على الأرض.

وكانت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- قد بثت صورا لهروب جندي إسرائيلي تحت نيران مقاتليها، وأعادت نشر صورة لجندي قالت إنه يدعى “أبراهام أزولاي” كانت قد حاولت أسره قبل أن يُقتل، مضيفة: “مصير الجندي التالي سيكون أفضل كأسير جديد لدى القسام”.

وتابع أبو زيد قائلا إن التلويح المتكرر من المقاومة بخيار أسر الجنود يحمل بعدا نفسيا ضاغطا على القوات الإسرائيلية، إذ تزرع مثل هذه الرسائل حالة من التوتر والارتباك في صفوف الجنود وتؤثر على أدائهم أثناء تنفيذ التعليمات في المعارك، لا سيما في إطار عمليات “عربات جدعون”.

وشدد على أن مرور 54 يوما على انطلاق “عربات جدعون” من دون نتائج حاسمة، مقابل استمرار المقاومة في توجيه الضربات، يُفقد الخطة هيبتها الإعلامية التي سعت قيادة الاحتلال لترويجها كحملة ناجحة قادرة على تغيير قواعد المواجهة في القطاع.

النقطة الحرجة

ويرى أبو زيد أن المقاومة تستهدف إيصال جيش الاحتلال إلى مرحلة حرجة، حيث يؤدي ارتفاع نسبة خسائر الوحدات القتالية إلى ما يعرف عسكريا بـ”النقطة الحرجة”، فإذا تجاوزت نسبة الخسائر 35%، تصبح القيادة ملزمة بسحب الوحدة أو إيقاف المهمة.

وأوضح أن وحدات مثل الفرقة 99 في الشمال والقوات المتمركزة حول خان يونس بدأت تقترب من هذه النسبة الحرجة من الخسائر، ما يضع القيادة الإسرائيلية في مأزق استبدالها في ظل محدودية البدائل البشرية والعسكرية.

وبشأن خصوصية المناطق التي تشهد تصعيدا، قال أبو زيد إن خان يونس تحولت إلى نقطة استنزاف مفتوحة بفعل فشل الاحتلال في التوغل داخلها، بينما تُعد الشجاعية وجباليا وبيت حانون مسرحا مكررا لعمليات فاشلة، رغم خضوعها سابقا لعدة اجتياحات ضمن خطط عسكرية متعاقبة.

ولفت إلى أن فشل الاحتلال في إدراك الديناميكيات المتغيرة على الأرض مردّه إلى ضعف في تقييمات جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، والذي يفترض أن يمهّد ميدانيا لوحدات العمليات، لكنه بات يتعامل مع مشهد معقد لا يُحتوى بالوسائل التقليدية.

ومنذ استئناف العدوان على غزة في مارس/آذار الماضي قتل ما لا يقل عن 38 جنديا إسرائيليا وأصيب 98 في كمائن وعمليات قنص، في حين بلغت الحصيلة منذ بداية العام 50 قتيلا و118 مصابا.

وبذلك، ترتفع حصيلة خسائر قوات الاحتلال منذ بدء الاجتياح البري أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 444 قتيلا و2768 جريحا بحسب بيانات الجيش الإسرائيلي، في حين تؤكد المقاومة الفلسطينية أن خسائر الاحتلال أعلى بكثير.