خريطة إعادة التموضع: أسلوب إسرائيلي لتعزيز التهجير القسري في غزة.

المركز الفلسطيني للإعلام
بينما تتواصل مفاوضات وقف إطلاق النار بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي بوساطة قطرية ومصرية وأميركية، كشفت تسريبات إعلامية عن خريطة إسرائيلية جديدة لما سمي “إعادة التموضع” العسكري في قطاع غزة، وصفها محللون بأنها “كارثية” وتهدف إلى فرض أمر واقع جديد على الأرض، يُرسّخ مخططات التهجير القسري واسعة النطاق، ويفرض على مئات آلاف الفلسطينيين البقاء في مناطق نازحين لا تتوفر فيها مقومات الحياة الكريمة.
مدينة رفح بالكامل تحت الاحتلال
وبحسب ما نقلته قناة “الجزيرة” عن مصادر مطلعة، فإن الخريطة الإسرائيلية المعروضة في مفاوضات الدوحة تُبقي كامل مدينة رفح جنوبي القطاع تحت الاحتلال، مع الإصرار على تحويلها إلى منطقة تركيز قسرية للنازحين الفلسطينيين، تمهيدًا لترحيلهم لاحقًا نحو الحدود مع مصر أو عبر البحر.
وتمتد خريطة التموضع الجديدة في عمق قطاع غزة لمسافة تصل إلى ثلاثة كيلومترات داخل الحدود، قاضمةً أجزاءً واسعة من بيت لاهيا، بيت حانون، قرية أم النصر، الشجاعية، التفاح، الزيتون، خزاعة، والقرارة، وتقترب من شارع صلاح الدين الحيوي.
وتشير التقديرات إلى أن هذه الخريطة تُبقي أكثر من 40% من مساحة القطاع تحت السيطرة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، وتحرم نحو 700 ألف فلسطيني من العودة إلى مناطقهم الأصلية، بما يُعيد إلى الأذهان نماذج “مناطق الفصل العرقي” التي عرفها العالم في فصول سوداء من التاريخ.
تحذيرات من “مصيدة تفاوضية”
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني محمد حامد العيلة عدّ أن الخريطة الإسرائيلية “تُكرّس استراتيجية مصائد الموت والتجويع”، من خلال الإبقاء على طريق موراج كممر وحيد لتوريد الغذاء والدواء، مع منع النازحين من العودة إلى مدنهم كرفح وخانيونس والشجاعية والبريج وبيت حانون.
وأضاف العيلة عبر صفحته على فيسبوك: “هذه الخريطة، رغم أنها مُخففة مقارنة بما طالبت به إسرائيل في الأيام الماضية، تظل غير مقبولة وتتناقض مع الحد الأدنى من متطلبات الاتفاقات الإنسانية، كما أنها تُهدد بإدامة معاناة مئات الآلاف من المدنيين”.
الصحفي والناشط مصطفى البنا يرى أن “القبول بهذه الخريطة يعني إعطاء إسرائيل الفرصة لاحتلال مناطق لم تتمكن من دخولها خلال القتال، مثل شارع السكة، وتوسيع المساحات الخاضعة لها، تحت غطاء التهدئة.”
وأشار عبر حسابه على فيسبوك إلى أن الخطة تفتح الباب أمام إقامة “معسكرات تهجير قسري” تحت مسمى “مدينة إنسانية”، وهي خطة كشف عنها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مطلع الأسبوع، وتنص على تجميع 600 ألف فلسطيني في مخيمات خيام بعد فحص أمني صارم، ومنعهم من مغادرتها لاحقًا.
ماذا يجري في المفاوضات؟
وبينما تحدثت القناة 12 الإسرائيلية عن جمود في مفاوضات الدوحة، قالت إن الخلاف الرئيسي يتمثل في حدود انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، وأكدت أن تل أبيب وافقت على الانسحاب من طريق موراج لكنها تصر على البقاء قرب محور فيلادلفيا (الحدود مع مصر) وتحويل المنطقة إلى مخيم لجوء جماعي.
ووفق المتداول فإن حركة حماس تعلن تمسكها بمطلب انسحاب الاحتلال إلى ما قبل 18 مارس/آذار 2025، وهو تاريخ استئناف الحرب بعد اتفاق يناير.
وفي هذا السياق، يرى العيلة أن “مسار التفاوض لم ينهار بعد، لكن العقبة الأساسية تتمثل في خريطة التموضع، التي تهدف إلى فرض تهجير صامت على مئات الآلاف وشرعنة السيطرة على مساحات واسعة من القطاع”.
تهديد مباشر للحل السياسي
ويرى خبراء حقوقيون أن الإصرار الإسرائيلي على فرض “مناطق عازلة” واسعة ومناطق احتلال دائم، يهدد بفشل أي صيغة اتفاق تهدئة دائم، كما يُكرّس نموذج “النكبة المستمرة”، ويحول دون أي حل سياسي مستقبلي يقوم على إعادة إعمار القطاع وعودة النازحين.
ويؤكد هؤلاء أن “خريطة التموضع الإسرائيلية تُخالف نصوص القانون الدولي الإنساني، وتُعد تطبيقًا عمليًا لجريمة التهجير القسري، خاصة مع إجبار السكان على الانتقال من مناطقهم الأصلية دون ضمانات العودة.
وسط هذا المشهد المعقد، تتعزز القناعة الفلسطينية الشعبية والرسمية أن تسريب الخريطة في هذا التوقيت الحرج وضع الرأي العام الفلسطيني أمام حقيقة المواقف، وساهم في نزع الغطاء عن النوايا الإسرائيلية الخفية.