معسكر احتجاز مغلق في رفح.. خطة مقلقة للاحتلال تكشف نوايا التهجير

المركز الفلسطيني للإعلام
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ الخطة الإسرائيلية التي كشف عنها وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”، التي تقضي بنقل سكان قطاع غزة بالكامل إلى ما يُسمى “منطقة إنسانية” تُنشأ فوق أنقاض جزء من مدينة رفح، تمثّل تصعيدًا خطيرًا في مسار الإبادة الجماعية المتواصلة، وتجسّد خطوة متعمّدة لإفراغ غزة من سكّانها الأصليين، وفرض واقع ديموغرافي جديد بالقوة خدمةً لمشروع استعماري يستهدف محو الوجود الفلسطيني من القطاع.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي، في بيان له الأربعاء، أنّ المخطّط الإسرائيلي يستهدف في مرحلته الأولى تجميع مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين داخل قطاع غزة، تمهيدًا لحصر كامل السكّان فيما يُسمّى “منطقة إنسانية” تُقام فوق أنقاض مدينة مدمّرة وتفتقر إلى الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة، على أن تخضع لسيطرة أمنية مشدّدة وقيود صارمة على الحركة، بما في ذلك منع الخروج منها، الأمر الذي يعني فعليًا إنشاء معسكر اعتقال جماعي مغلق يُحتجز فيه السكّان قسرًا وخارج أي إطار قانوني مشروع.
نقاط توزيع المساعدات .. فخاخ للقتل في غزة
وحذّر الأورومتوسطي من أنّ خطورة هذا المخطّط تتضاعف في ضوء ترحيب وزير جيش الاحتلال بما وصفه بـ”الهجرة الطوعية” للفلسطينيين، في إشارة صريحة إلى تبنّي إسرائيل لسياسة التهجير الخارجي لسكان القطاع.
وأضاف أن ذلك يؤكّد أنّ تجميعهم في الجنوب لا يُمثّل غاية إنسانية، بل يُشكّل مرحلة انتقالية ضمن خطة ممنهجة لتفريغ غزة من سكّانها الأصليين، في امتداد مباشر لسياسات الاقتلاع والتطهير العرقي التي تنتهجها إسرائيل منذ النكبة عام 1948، والرامية إلى محو الوجود الفلسطيني واقتلاعه من أرضه بصورة نهائية.
الإعلامي الحكومي يدين مخططا لتهجير شعبنا بغزة تحت ستار إنساني مضلل
وقال المرصد إن هذا المخطّط يُشكّل انتهاكًا صارخًا وخطيرًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، لا سيّما الحظر المطلق على النقل القسري والاحتجاز الجماعي للسكان المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، ما يضعه بوضوح ضمن أفعال التهجير القسري والاضطهاد والفصل العنصري، وهي أنماط من السياسات والممارسات التي يُشكّل كلّ منها على حدة جريمة ضدّ الإنسانية بموجب القانون الدولي.
مؤسسة غزة الإنسانية.. الوجه الصهيوأمريكي لتهجير أهل القطاع
وحذّر من أن الأخطر هو تجميع نحو مليوني فلسطيني في منطقة مدمّرة، مغلقة، وتفتقر إلى أبسط شروط الحياة، وخاضعة لقيود صارمة على الحركة، يُعدّ دون مواربة عملًا منظّمًا من أعمال الإبادة الجماعية، يقوم على فرض ظروف معيشية قاتلة تهدف إلى التدمير التدريجي للسكان الفلسطينيين في القطاع، عبر سياسات التجويع، والإذلال، والاحتجاز الجماعي، والإخضاع القسري.
كما حذّر المرصد الأورومتوسطي من أنّ تصريحات “كاتس” حول استغلال وقف إطلاق النار المؤقت، الذي تجري مباحثات للتوصّل إليه منذ أيام، تُظهر بوضوح أنّ الغاية من الهدنة ليست وقف الإبادة الجماعية الجارية، بل منح جيش الاحتلال الوقت والظروف الميدانية اللازمة لإنشاء معسكرات اعتقال جماعية، يُجبر على التوجّه إليها مئات آلاف المدنيين تحت وطأة الجرائم المتصاعدة من قتل وتجويع وتهجير قسري.
التجويع .. أداة إسرائيلية للقتل البطيء في غزة
وأشار إلى أنّ الخطة، بحسب تصريحات الوزير الإسرائيلي، تنصّ على نقل 600 ألف فلسطيني بعد إخضاعهم لما سمّاه “فحوصات أمنية”، مع فرض قيود مشدّدة على حركتهم ومنعهم من مغادرة المنطقة، في انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي الأكثر رسوخًا، وعلى رأسها حظر النقل القسري، وحرية التنقّل، والحق في العودة، والحماية من الاحتجاز التعسفي والتمييز العنصري، فضلًا عن الحق في الحماية من الإبادة الجماعية، بعدّها من قواعد القانون الدولي الآمرة، التي لا يجوز انتهاكها تحت أي ظرف، والتي ترتّب التزامات قانونية فورية على جميع الدول لوقف الجريمة ومنعها ومعاقبة المسؤولين عنها.
تحقيق: مجموعة بوسطن أعدّت نموذجًا إسرائيليًا لتهجير 500 ألف فلسطيني من غزة
وحذّر المرصد الأورومتوسطي من أنّ هذه التصريحات الرسمية، التي تعكس سياسة مدروسة ومعلنة، تؤكد مجددًا أنّ إسرائيل تمضي قدمًا في تنفيذ مخطّط منهجي للتهجير القسري في قطاع غزة، من خلال هندسة ديموغرافية قسرية تهدف إلى محو الوجود الفلسطيني، عبر تجميع المدنيين في مناطق مغلقة ومحاصرة تُشبه “مخيمات احتجاز جماعية” أو “غيتوهات” سكانية مفروضة بالقوة.
ونبّه من أن التناقض بين تصريح وزير الجيش الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”، الذي أعلن فيه خطة رسمية لنقل سكان غزة وتجميعهم قسرًا في منطقة مغلقة، وتصريح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي قبل يومين بأن “نقل السكان ليس هدفًا عسكريًا”، يكشف عن محاولة تضليل منهجية للرأي العام والمجتمع الدولي، مشيرًا إلى أنه في حين يحاول جيش الاحتلال إنكار النية، قدّم كاتس رواية مفصّلة تتّسق تمامًا مع الوقائع الميدانية، من قتل جماعي، وأوامر تهجير قسري، إلى استهداف الملاجئ، وتجميع مئات الآلاف في مناطق محاصرة.
وقال الأورومتوسطي: إن الأدلة على الأرض تشير بوضوح إلى أن ما يجري هو تنفيذ لخطة سياسية محدّدة وليس نتيجة عمليات عسكرية طارئة، تكون فيه تصريحات كاتس، لا نفي الجيش، هي التي تعبّر بدقّة عن النية الفعلية والسياسة الرسمية، وتُشكّل قرينة قاطعة على ارتكاب جريمة تهجير قسري جماعية تُدار بغطاء عسكري.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ استخدام مصطلحات مضلّلة كـ”المنطقة الإنسانية” في سياق تُرتكب فيه جرائم واسعة النطاق من قصف وتجويع وتهجير قسري، لا يُمثّل سوى محاولة فجة للتمويه على جريمة جماعية مكتملة الأركان، وتزييف الواقع أمام المجتمع الدولي؛ فالخطة لا تمتّ لأي بعد إنساني بصلة، بل تُستخدم كغطاء لغرض استراتيجي واضح: إعادة تشكيل التركيبة السكانية لقطاع غزة بالقوة، وتفريغه تدريجيًا من سكّانه الأصليين.
وأشار إلى أنّ نقاط توزيع المساعدات التي تُديرها منظمة “غزة الإنسانية”، والتي خُصّصت ضمن ما يُسمّى “المنطقة الإنسانية”، تحوّلت فعليًا إلى مصائد موت، استشهد في محيطها 758 فلسطينيًا وأصيب أكثر من 5,000 آخرين منذ افتتاحها أواخر مايو الماضي. وهو ما يقدّم نموذجًا عمليًا مرعبًا لما ينتظر مئات آلاف المدنيين إذا ما نُقلوا قسرًا إلى تلك المنطقة، تحت غطاء إنساني زائف يخفي جريمة إبادة جماعية منظّمة.
ونبه إلى أنّ تصريحات “كاتس” وما كشفته وكالة “رويترز” بشأن الخطة المقدّمة من مؤسسة “غزة الإنسانية” لإنشاء ما يُسمّى “مناطق عبور إنسانية” داخل القطاع – وربما خارجه – لإيواء السكان الفلسطينيين، يكشفان بوضوح الطبيعة الحقيقية والخطيرة للمخطّط الجاري، والذي يستهدف دفع الفلسطينيين إلى التهجير تحت غطاء إنساني مزيّف.
وبحسب الوثيقة التي نشرتها الوكالة، فإنّ المقترح يتحدّث عن إنشاء “مناطق عبور” كحل “مؤقّت”، قد يسبق نقل السكان إلى خارج القطاع. وأكّد المرصد أنّ هذا النموذج يُكرّس التهجير القسري كخيار سياسي معلن، بينما تُستخدم عبارات من قبيل “الاندماج”، و”إعادة التأهيل”، و”نقل السكان إذا رغبوا”، كأدوات لغوية لتسويق عملية تطهير عرقي مُعلنة مسبقًا.
وشدّد المرصد الحقوقي على أنّ إطلاق تسميات مثل “منطقة إنسانية” أو “منطقة عبور إنساني” على هذه المخيمات لا يمثّل سوى تلاعبًا مقصودًا بالمصطلحات، بهدف تبرير سياسات قسرية تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي في غزة، باستخدام خطاب إنساني مزيّف يتحدّث عن “كسب ثقة السكان” أو “نزع التطرّف” كمبررات أمنية زائفة لإفراغ القطاع من سكّانه الأصليين.
وحذر من أن أي مغادرة لقطاع غزة في ظل الظروف الراهنة لا يمكن اعتبارها “طوعية”، في ظل تجرّد السكان من أي قدرة فعلية على اتخاذ قرار حر، بل أن ذلك يندرج قانونًا ضمن التهجير القسري المحظور بموجب القانون الدولي، مشدّدا على أن كل من يُجبر على مغادرة القطاع يحتفظ بحقه غير القابل للتصرف في العودة إلى أرضه وممتلكاته فورًا ودون قيد أو شرط، فضلًا عن حقه الكامل في التعويض عن جميع الأضرار والخسائر التي لحقت به نتيجة جرائم إسرائيل، بما في ذلك فقدان المسكن، وانتهاك الكرامة، والأذى النفسي والجسدي، وحرمانه من حقوقه الأساسية.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ تجاهل الدول والمنظمات الأممية ذات الصلة لسياسة التهجير القسري الإسرائيلية بحق سكان قطاع غزة لا يمكن تبريره بالعجز، بل يُشير إلى حالة تساهل، وأحيانًا تواطؤ فعلي، في تمرير مخططات تهدف إلى إفراغ القطاع من سكّانه؛ فمنذ أن أصدرت القوات الإسرائيلية أول أمر إخلاء جماعي بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين أول 2023، توالت مئات أوامر الإخلاء القسري دون توقّف، دون أن تُمارَس أي ضغوط فعّالة من الجهات المعنية لوقف هذه الجريمة. وقد أسفر ذلك عن تهجير الغالبية الساحقة من سكان غزة قسرًا، وتركهم بلا مأوى إنساني أو حماية، في واحدة من أكثر حالات النزوح الجماعي تطرفًا ووحشية في العصر الحديث.
وحذّر من أنّ إسرائيل، منذ بدء عدوانها، اعتمدت سياسة تدمير شامل تستهدف مفاصل الحياة في قطاع غزة، في إطار جريمة الإبادة الجماعية، من خلال القضاء المنهجي على كل ما يُمكّن السكان من البقاء، ودفعهم قسرًا إلى النزوح تحت وطأة الحصار والتجويع والدمار. وقد أدّت هذه السياسة إلى إنهاك السكان واستنزاف قدرتهم على الصمود، في ظل تواطؤ دولي صارخ يسمح لإسرائيل باستكمال جريمة التهجير القسري، دون أي اكتراث بمصير أكثر من مليوني إنسان باتوا على حافة الهلاك.
وأعرب المرصد الأورومتوسطي عن صدمته من غياب أي إرادة دولية، رغم مرور أكثر من 21 شهرًا، لوقف أداة واحدة فقط من أدوات الإبادة الجماعية الإسرائيلية، مؤكّدًا أن تهجير السكان قسرًا لا يمكن، بأي حال، تبريره باعتبارات عسكرية أو أمنية، وأنّ الصمت الدولي المستمر يُعدّ تمكينا فعليّا لاستمرار ارتكاب هذه الجريمة.
ودعا إلى فتح تحقيقات دولية مستقلة وشاملة في الدور الذي تؤديه ما تُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” في تسهيل وتنفيذ الجرائم الجسيمة المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين، بما يشمل المسؤولية الفردية للمؤسسين، والمديرين، ومنسقي اللوجستيات، وقادة الفرق، وأيّ من العاملين في المؤسسة، سواء من خلال التخطيط، أو التسهيل، أو الإسهام المباشر، أو حتى الامتناع الواعي عن الحيلولة دون ارتكاب الجرائم.
وطالب الدول التي تتمتع بـاختصاص قضائي إقليمي أو عالمي بفتح تحقيقات جنائية فورية ضد جميع الأفراد المرتبطين بالمؤسسة أو الشركات الأمنية المتعاقدة معها، لمساءلتهم عن دورهم في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وعلى وجه الخصوص القتل العمد، والتجويع، والمعاملة القاسية أو المهينة.
ودعا جميع الدول إلى الاعتراف بأن ما يتعرّض له سكّان قطاع غزة ليست عمليات إخلاء، بل عملية محو منهجية لشعبٍ بأكمله، مشددًا على أن المطلوب اليوم ليس التغاضي أو حتى الإدانة، بل الوقوف الحاسم بين سكان غزة واستكمال الإبادة الجماعية بهدفها النهائي، حمايةً لهم من الفناء، وضمانًا لحقهم في البقاء على أرضهم، وبكرامة.