إغلاق الأقصى: كيف يعمل الاحتلال على ترسيخ وجود دائم لليهودية

إغلاق الأقصى: كيف يعمل الاحتلال على ترسيخ وجود دائم لليهودية

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام

تواصل قوات الاحتلال، لليوم الخامس على التوالي، فرض إغلاق كامل على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، كما تغلق البلدة القديمة في وجه الزائرين باستثناء سكانها، وتمنع دخول المصلين حتى من سكان البلدة إلى مصليات الأقصى المسقوفة وساحاته كافة.

وتتذرع دولة الاحتلال بحالة الحرب التي أطلقتها على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وما ترافق معها من إعلان حالة الطوارئ، فيما يرى مراقبون أنّ نتنياهو وحكومته المتطرفة يستغلون الفرصة لإحكام السيطرة والقبضة على المسجد الأقصى لفرض حضور تهويدي دائم في الأقصى.

وحذر الكاتب المختص في شؤون القدس زياد ابحيص في تصريحاتٍ لـلمركز الفلسطيني للإعلام من أنّ الاحتلال يسعى للتحكم بقرار فتح المسجد الأقصى باعتاره إعلان “سيادة”، وهو تكريس لحقيقةٍ يريد فرضها بأنه هو من يدير المسجد الأقصى وهو صاحب القرار الحصري في كل شؤونه، وأنه هو من يقرر من يصلي فيه وكيف يصلي ومتى يصلي.

وشدد ابحيص على أنّ التحكم بفتح الأقصى وإغلاقه مرحلة جديدة لم يشهدها في أي حرب أو انتفاضة سابقة، وهي الإغلاق الشامل للمسجد الأقصى في وجه المصلين، والسماح فقط للموظفين والحراس المناوبين من دخول المسجد (ومنع غير المناوبين!)، بما يجعل عدد المتواجدين فيه لا يزيد عن 60 شخصاً في اللحظة الواحدة.

وأكد أنّ التحكم المطلق بإغلاق الأقصى في العقل الصهيوني يعني اكتمال مرحلة، اكتمال مرحلة “المنع” و”العزل” عن المصلين والمرابطين، ويفتح بالتالي أبواب مرحلة جديدة هي التأسيس.

ونوه إلى أنّ هذا يفرض محاولة منع اكتمال هذه المرحلة بكل جهدٍ ممكن، لأن الصمت على طي هذه المرحلة سيعني من الآن فصاعداً بأن أنظار المحتل ستتجه إلى كيفية فرض حضور تهويدي دائم في المسجد، وقد سبق أن طُرحت في ذلك مبادرات عديدة عنوانها بناء كنيس دائم في الساحة الشرقية للأقصى، إلى جانب عناوين أخرى تستكشف إمكانات تغيير هوية المسجد، قد تدخل حيز التنفيذ –لا سمح الله- إن استمر الصمت المطبق في مواجهة هذا الإغلاق والتغول.

وفي هذا السياق أكد خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، الشيخ عكرمة صبري، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي استغلت الظروف السياسية والعسكرية الراهنة، وخاصة العدوان على قطاع غزة، ذريعة لإغلاق المسجد الأقصى المبارك، وفرض مزيد من القيود عليه، فيما اعتبره “اعتداءً صارخًا على حق المسلمين في العبادة، ومحاولة جديدة لبسط السيادة الإسرائيلية على المسجد القدسي”.

وأشار صبري في تصريحاتٍ رصدها المركز الفلسطيني للإعلام إلى أن “المدينة المقدسة باتت محاصرة بالكامل، والمسجد الأقصى يخضع لحصار مشدد منذ اندلاع العدوان على غزة”، مضيفًا أن الاحتلال يمارس سياسة ممنهجة لإبعاد الشباب والمرابطين، ضمن سياسة تفتقر لأي أساس قانوني أو أخلاقي، ولا تُمارس في أي مكان في العالم إلا من قبل قوات الاحتلال.

وأوضح صبري أن “إجراءات الاحتلال تهدف إلى تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى منذ عام 1967، وفرض سيطرة إسرائيلية كاملة عليه، كجزء من مخطط أشمل لتهويد مدينة القدس، وإبقاء الصبغة اليهودية على معالمها ومقدساتها”.

واعتبر أن هذه الممارسات تمثل تجاوزًا خطيرًا للخطوط الحمراء، واستباحة صريحة لقدسية المسجد الأقصى، واستفزازًا مباشرًا لمشاعر ملايين المسلمين حول العالم، خصوصًا مع اقتراب ما يسمى بـ”ذكرى توحيد القدس” و”يوم الاستقلال الإسرائيلي”، والتي وصفها الشيخ بأنها “نكبة متجددة لأبناء الشعب الفلسطيني”.

وأشار الكاتب المختص بالشأن المقدسي زياد ابحيص إلى أنّ “الطريق إلى التحكم بهذا القرار كان مساراً طويلاً ومتعرجاً، ولعل محطته الأولى كانت في عام 2002 بإعلان شرطة الاحتلال اغتصاب صلاحية إدخال السياح والمستوطنين إلى المسجد الأقصى من الأوقاف الأردنية، وبذلك بات جزء من الدخول والخروج تحت سيطرتها المطلقة، بعد أن كان دخول السياح يتم عبر الأوقاف وبرفقة مرشديها وبما يتوافق مع قدسية المسجد”.

ولفت إلى أنّ الخطوة التالية كانت في 2008 مع تكريس أوقات خاصة لدخول المقتحمين تتولى شرطة الاحتلال فرضها رغماً عن الأوقاف وبكل ما يقتضيه ذلك من قمعٍ للمصلين والمرابطين، ثم في 14 و15-9-2015 بفرض الإغلاق الشامل على الأقصى في وجه المصلين في رأس السنة العبرية ومحاولة تفريغه تماماً للمقتحمين الصهاينة.

ونوه إلى أنّه في 14-7-2017 تجددت المحاولة بإغلاق المسجد الأقصى في وجه المصلين عقب عملية الجبارين الثلاثة التي أدت إلى قتل اثنين من ضباط “حرس الحدود” عند باب حطة، واستشهاد الشباب الثلاثة في ساحات المسجد الأقصى.

كما أوضح ابحيص أنّه في 23-3-2020 شهدت محاولة التحكم بقرار فتح وإغلاق الأقصى المنعطف الأخطر في تاريخها، إذ جرى الانصياع لشروط الاحتلال في إغلاق المسجد تحت سيف وباء كورونا رغم أنه ساحة مفتوحة شاسعة يمكن ضبط التباعد فيها. 

ولفت إلى أنّه مع بداية موسم الأعياد الطويل في عام 2023، وقبل السابع من أكتوبر بثلاثة أسابيع بالضبط، فرضت قوات الاحتلال سياسات جديدة لتضمن منع الاعتكاف في المسجد حيث أصبحت تقصر الصلاة على من هم فوق الخمسين من أهل البلدة القديمة حصراً.

وأكد ابحيص أنّ المحطة الأخيرة جاءت اليوم بالتزامن مع انطلاق العدوان على إيران، حيث يدخل التحكم بفتح الأقصى وإغلاقه مرحلة جديدة لم يشهدها في أي حرب أو انتفاضة سابقة، وهي الإغلاق الشامل للمسجد الأقصى في وجه المصلين.