نقاط التوتر الأمنية في غزة… ترقب على شفا الموت

نقاط التوتر الأمنية في غزة… ترقب على شفا الموت

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

في قطاع غزة، لم يعد التهديد الوحيد على حياة السكان يأتي من الطائرات الحربية، بل باتت طوابير الانتظار أمام مراكز توزيع المساعدات مشهداً يومياً محفوفاً بالمخاطر. فآلاف الفلسطينيين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، يخرجون بحثًا عن كيس طحين أو علبة طعام، وسط ظروف بالغة الخطورة، في ظل حصار وإبادة إسرائيلية متواصلة منذ السابع من أكتوبر 2023.

وبحسب إحصاءات رسمية، قُتل زهاء 390 فلسطيني وجُرح 2850 آخرون أثناء محاولتهم الوصول إلى مواد الإغاثة، فيما لا يزال 9 أشخاص في عداد المفقودين. وتعكس هذه حجم المأساة الإنسانية التي خلفتها سياسة التجويع الممنهجة، حيث باتت مراكز توزيع المساعدات مسرحًا للقتل المباشرة بالنيران الإسرائيلية.

يقول الشاب فادي محمد (28 عاماً): “رأيت الموت أكثر من مرة خلال بحثي عن الطحين. في إحدى المرات سقط فوقي شباك حديدي أثناء التدافع، وصديقي توفي أمامي. بقيت عاجزاً أتلقى الضربات وأتنفس بصعوبة”.

ويضيف: “في مناسبة أخرى، فقدت المعلبات التي حصلت عليها بعدما هددني أحدهم بسكين. لم أكن وحدي، بل كنت واحدًا من آلاف ينتظرون الخبز وهم يحلمون ألا تأتي قذيفة أو رصاصة مباغتة تُنهي كل شيء”.

وتبابع بأسى للواقع الذي يعيشه الغزيون: “يحصل من يحصل على غنيمته تحت تهديد السلاح الأبيض، أو يُغدر به في الطريق، ويعود فارغ اليدين والجسد منقوشٌ بالكدمات”.

مساعدات تتحول لفخ قاتل

وتحوّلت قوافل المساعدات القليلة المتدفقة إلى غزة، التي يفترض أن تكون شريان حياة للمدنيين، إلى مصائد موت. فإلى جانب استهداف جيش الاحتلال للمناطق المحيطة بمراكز التوزيع، تنتشر عصابات وقطاع طرق يعتدون على المدنيين ويصادرون المساعدات تحت التهديد. في هذا المشهد، يختلط الخطر العسكري بانعدام القانون، ويُترك المدنيون لمصيرهم أمام لعبة الجوع الممتية كما وصفها الأمين المفوض العام لوكالة “الأونروا” فيليب لازاريني.

وبدعم أمريكي، فرضت سلطات الاحتلال ترتيبات جديدة لتوزيع المساعدات عبر مناطق خاضعة لسيطرتها المباشرة، ما حول هذه النقاط إلى أهداف مكشوفة ومواقع خطرة، يتعرض فيها المواطنون للقصف بالطائرات المسيرة أو النيران المباشرة من الجيش وعصابات المستعربين.

ففي مختلف نقاط التوزيع الثلاثة التي أعلن عنها جيش الاحتلال، تتكرر مشاهد الخروج الجماعي بعد منتصف الليل. دون إنارة، دون حماية، ودون ضمانات بالعودة. يقول خليل عبد الباري، أحد سكان الشجاعية: “لم أتخيل يومًا أن أترك سريري بعد منتصف الليل لأقف في طابور رغيف، لكننا في غزة، نخوض المجازفة كأنها الخيار الوحيد للنجاة. ليس أمامنا سوى بأرواحنا على أكفّنا”.

ومع اشتداد الحصار خاصة منذ مارس الماضي، توقفت مصادر الدخل بشكل شبه كامل، وانعدمت القدرة الشرائية للغالبية العظمى من المواطنين الذي يعمل أكثر من 250 ألف منهم بنظام المياومة. ورغم وجود بعض المواد في الأسواق، إلا أن أسعارها تفوق قدرة معظم المواطنين بما في ذلك أولئك الذين يتحصلون على رواتب شهرية ثابتة من موظفي القطاعين العام والخاص، لكن الثابت الوحيد هو اعتماد الجميع كليًا على المعونات الغذائية.

في ظل هذه الظروف، تفقد الكرامة الإنسانية معناها. المشاهد اليومية لأشخاص يحتشدون لساعات طويلة دون أدنى مقومات الحياة، أصبحت معتادة، يقول حسن أبو راجي، وهو يجلس قرب مدرسة مهجّرة في مخيم الشاطئ.

ويضيف الرجل: “كنا نرى في المساعدات بارقة أمل رغم شحها، لكن غيابها الكامل حوّلنا إلى متسولين على أعتاب الجوع في مشهد مهين، تحت رحمة القنص والدهس، وحتى خيانة الداخل من العملاء الذي ارتضوا العمل تحت بساطير الاحتلال”.

كرامة تُسحق تحت وطأة الجوع

وتتكرّر عمليات القتل اليومية لطالبي المساعدات من المواطنين المجوّعين، إذ يعمد الجنود إلى فتح النار على الفلسطينيين المتجمّعين على مقربة من مراكز توزيع المساعدات في غزة تحت ذرائع أمنية لا أساس لها من الصحة. وبالإضافة لعمليات القتل، فإن عدداً من الفلسطينيين فُقدوا، ولم تعرف عائلاتهم مصيرهم حتى الآن بعدما توجهوا إلى مراكز توزيع المساعدات في غزة، في ظلّ التجويع الشديد التي يعصف بسكان القطاع.

واعتبرت “الأونروا”، نموذج توزيع المساعدات الإسرائيلي-الأميركي في غزة بأنه “وصفة للفوضى”، إذ يَستخدم عملية توزيع المساعدات في غزة سلاحاً، ما يؤدي إلى الخوف والتمييز وتصاعد حالة اليأس، وشدّدت على أنّ الوقت حان لإنهاء الحصار والسماح للأمم المتحدة، بما في ذلك “أونروا”، بأداء عملها، وإيصال المساعدات في غزة بأمان وعلى نطاق واسع لسكان القطاع.

في الأثناء، يؤكد المدير التنفيذي لشبكة المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا، على أن المنظومة الأمنية لتوزيع المساعدات “لم تلتزم بأي مبدأ من مبادئ العمل الإنساني، لا من حيث كرامة الإنسان ولا سلامته، بل تحوّلت النقاط التي أقيمت لتوزيع المساعدات في غزة إلى مواقع عسكرية تُهدّد حياة الفلسطينيين بدل أن تحفظها”.

وأشار إلى أنّ “الفلسطيني الذي يتوجّه جائعاً إلى تلك النقاط على أمل العودة إلى عائلته بقليل من الغذاء، يعود جسداً بلا روح، بعد أن يتحوّل المكان إلى ساحة قتل مفتوحة”، مؤكداً أن هناك موقفاً واضحاً من الجهات الفاعلة كافّة، فلسطينياً ودولياً، يرفض هذه الآلية ويرفض التعامل معها.

وأكّد الشوا أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل هذه الآلية لتنفيذ أجندته الرامية إلى تهجير الفلسطينيين، مضيفاً: “نطالب اليوم بفتح المعابر فوراً أمام المساعدات الإنسانية، خصوصاً أن هناك أكثر من 130 ألف طن من المساعدات يحتجزها الاحتلال على المعابر، ويمنع دخولها إلى قطاع غزة”.