موسم فريد يُدوّن بأحرف من ذهب

انتهى موسم حجِّ هذا العام 1446هـ، وقد سُطِّرت فيه أعظم صور التضحية والعطاء، في مشهدٍ روحانيٍّ قلَّ نظيره، تحت شمس الحرم، وعلى صعيد عرفات، وبين جنبات المشاعر المقدَّسة، حيث امتزجت دموع الفرح بدعوات التيسير، وارتفعت أكفُّ الضيوف إلى السماء، حامدةً شاكرةً على نعمة الوصول إلى هذه البقاع الطاهرة.
نجح الحجُّ، ونجحت المملكةُ مرَّة أخرى في تقديم أنموذج فريد في إدارة الحشود، وتنظيم الشعائر، ورعاية ضيوف الرَّحمن، نجاحًا لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتاج عمل متواصل، وتخطيط دقيق، وتفانٍ منقطع النظير من رجال ونساء الوطن الذين نذروا أنفسهم لخدمة الحجَّاج.
منذ اللحظة الأولى لانطلاق موسم الحجِّ، كانت العيون الساهرة على أمن الحجَّاج لا تغفو، فتم تنفيذ خطط أمنيَّة دقيقة، بقيادة وزارة الداخليَّة، وبمشاركة قطاعات متعدِّدة، حيث تمكَّن رجال الأمن من إحباط آلاف المحاولات لأداء الحجِّ دون تصريح، وفرض النظام بحزم وعدالة، ما ساهم في ضمان سلامة الحجَّاج، وانسيابيَّة تنقلاتهم. لم يكن الهدف مجرَّد منع، بل حماية للمشاعر، وللحجَّاج من الزحام والفوضى التي قد تعكِّر صفو هذه الرحلة الإيمانيَّة.
في موازاة التشديدات الأمنيَّة، عملت الجهات الخدميَّة بمهنيَّة عالية، واحتراف نادر، فكانت وزارة الصحة حاضرةً في كل لحظة، تُسابق الزمن لتقديم الرعاية الطبيَّة للحجَّاج في أكثر من 100 مركز صحيٍّ، وفرق إسعافيَّة تعمل بلا كلل.
كما قدَّمت وزارة الحجِّ والعُمرة خدماتها عبر المنصَّات الرقميَّة، والفرق الميدانيَّة، مستثمرة كل طاقة ممكنة في التيسير والتوجيه، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعيِّ، والترجمة الفوريَّة، والتطبيقات الذكيَّة، وعلى رأسها «نُسك» وتطبيق «ضيوف الرَّحمن»، اللذان تحوَّلا إلى دليل إلكترونيٍّ متكامل في جيب كل حاجٍّ.
ولا يمكن الحديث عن نجاح حجِّ 1446هـ، دون الإشارة إلى الرعاية المباشرة، والمتابعة الحثيثة من خادم الحرمين الشَّريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- اللذين كانا يتابعان سير الخطط ميدانيًّا، ويوجِّهان بالحرص على راحة الحجَّاج وسلامتهم، وتوفير كل ما يلزم لتأدية مناسكهم بيُسر وسكينة.
هذا الدعم غير المحدود ألقى بظلاله على جميع العاملين في الميدان، فاستشعروا عظم المسؤوليَّة، وتنافسوا في ميادين العطاء، فكان كل رجل أمن، وكل طبيب، وكل متطوِّع، وكل موظَّف، بطلًا في ملحمته الخاصَّة، صنع الفارق وترك الأثر.
وهكذا، يطوي موسم الحجِّ صفحته هذا العام، لكنَّ أثره باقٍ في القلوب، وصوره خالدة في الذاكرة، شاهدة على أنَّ مملكة الخير، بقيادتها وشعبها، ما تزال وستظل، عنوانًا للعطاء، ورمزًا للتنظيم، وقِبلة للرُّوح قبل الجسد.
حاتم سعد العميري
Hatem1403@