شراكة… تخلق استقراراً

تتمسك المملكة العربيَّة السعوديَّة بمواقف ثابتة تجاه وحدة سوريا واستقرارها، وقد عبَّرت عن ذلك منذ اللحظة الأولى للأزمة، عبر دعم الجهود الهادفة إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة، وتخفيف معاناة الشعب السوريِّ. ومع تطورات المشهدين الإقليميِّ والدوليِّ، برزت الرياض كركيزة توازن، وفاعل محوريٍّ، في إعادة توجيه البوصلة السوريَّة نحو الاستقرار، من خلال مبادرات تمزج بين الأبعاد السياسيَّة والاقتصاديَّة والإنسانيَّة.
وقد تُرجمت هذه الجهود مؤخَّرًا بمبادرة نوعيَّة لدعم الرواتب في سوريا، حملت في طيَّاتها بُعدًا اقتصاديًّا وسياديًّا، إذْ عزَّزت الأداء الحكومي، ودعمت التزامات الدولة تجاه موظَّفيها، وأسهمت في استعادة الثقة بالمؤسَّسات. وتأتي هذه الخطوة ضمن إستراتيجيَّة سعوديَّة شاملة، تسعى إلى تسريع التعافي، وتهيئة بيئة مستقرَّة تُمكِّن سوريا من استعادة دورها في محيطها العربيِّ.
هذا التوجه لم يكن معزولًا، إنَّما جاء في إطار تنسيق فاعل، بين المملكة العربيَّة السعوديَّة، ودولة قطر؛ لسداد متأخِّرات سوريا لدى مجموعة البنك الدوليِّ، بما يعكس نموذجًا من التكامل الإقليميِّ القائم على تحفيز الحلول الواقعيَّة، ودعم الدولة السوريَّة.
وفي سياق الجهود المتوازنة، استضافت المملكة اجتماعًا ثلاثيًّا سعوديًّا – سوريًّا – أمريكيًّا في توقيت بالغ الدقَّة، أثمر عن استجابة أمريكيَّة، تمثَّلت في رفع العقوبات، بوساطة مباشرة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وهو تحرُّك لقي ترحيبًا شعبيًّا ورسميًّا في سوريا، وتقديرًا للدور السعوديِّ المؤثِّر.
ويمتد هذا النهج إلى خطوات متواصلة، من بينها وصول أوَّل طائرة إلى دمشق بعد تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وكانت طائرة سعوديَّة، تبعتها زيارات رسميَّة متعدِّدة، أبرزها زيارة الوفد السعودي في ديسمبر 2024، ثم زيارة سمو وزير الخارجيَّة في يناير 2025، التي أعادت تأكيد الموقف السعودي الدَّاعم لمؤسسات الدولة والشعب السوريِّ.
واليوم، يحلُّ وزير الخارجيَّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في زيارة رفيعة إلى دمشق، يرافقه وفد يضم اقتصاديِّين ومسؤولين وخبراء، حاملًا رُؤية متكاملة تنظر إلى سوريا كدولة محوريَّة في المنطقة، وتدرك أهميَّة عافيتها الاقتصاديَّة ومكانتها العربيَّة.
بهذا الحضور الفاعل، تنتقل المملكة من مرحلة الدعم السياسيِّ إلى آفاق التمكين التنمويِّ، انطلاقًا من رُؤية ترى في استقرار سوريا بوابةً لأمن عربيٍّ أوسع، وفي إعادة الإعمار فرصة لبناء شراكات تصون السيادة، وتُحقق التوازن الإقليمي.