زيارات الحج

زيارات الحج

للحجِّ في نفوس المسلمين قيمةٌ ورمزيَّةٌ عظيمةٌ، ليس لكونه -فقط- شعيرة دينيَّة، وركنًا من أركان الإسلام، بل فرصةٌ للتمازج والمثاقفة، والتعرُّف على ثقافات الشعوب، وفضاء لحوار الحضارات، كما أنَّه مجالٌ خصبٌ للعلماء والمفكِّرين المسلمين في الالتقاء بغيرهم من أقطار العالم الإسلامي؛ للتدارس وللتفاكر. ولذلك نشأ عبر التاريخ، ما يُعرف بأدب الرحلات، زخرت بمعلومات ثريَّة وقَيِّمة عن البلدان، وطُرق الحج اجتماعيَّة وسياسيَّة وعلميَّة واقتصاديَّة، وغدت مرجعًا لكلِّ مَن يبحث في تاريخ البلدان والشعوب وثروة فقهيَّة كبيرة.

ألف عبر التاريخ علماءُ ومفكِّرُون ومستشرقُون أسلموا، ما مرَّ بهم من تجارب وخبرات، خلال رحلتهم إلى الأراضي المقدَّسة في مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة. فقد كانت رحلة البر التي يقطعونها طويلةً وشاقةً، تمر بهم أهوال وحوادث لا تتيسَّر للقاطنين، كما أنَّهم نقلوا لنا صورًا تفصيليَّةً للمشاعر، وتركوا لنا زادًا معرفيًّا خالدًا. من أقدم تلك الرحلات رحلة الرحالة المغربي محمد بن عبدالله ابن بطوطة «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، ورحلة محمد بن أحمد بن جبير «رحلة ابن جبير»، وغيرهم من الرحالة المسلمين -سابقين ومعاصرين- مثل رحلة النمساوي المسلم ليوبد فايس، محمد أسد «الطريق إلى مكَّة» ورحلة السويسري جون لويس بوركهات الذي تُسمَّى باسم الشيخ إبراهيم بن عبدالله «رحلات في شبه جزيرة العرب».

تضمَّنت رحلات هؤلاء، معلومات ثريَّة جدًّا عن البلدان التي مرُّوا بها، ومكَّة، والمدينة، نقلوا فيها لنا أوصافًا دقيقة للمساجد، والزَّوايا، والأسواق، وأسعار ونوعيَّة السلع، والمنازل وعمارتها، والعادات والتقاليد، وأخبار الرِّجال، بما جعلها مصدرًا من أهم المصادر التاريخيَّة والجغرافيَّة لتلك البلدان، عبر أزمنة مختلفة. وتشكَّلت لدى المسلمين ما غدا يُعرف بـ»ثقافة الحجِّ»، ولهذا اعتنى بهذه الرحلات مؤلفون سعوديون وعرب ومسلمون، علَّقوا ونقَّحوا وأبدعوا في إخراجها؛ لتكون متوفِّرةً للجميع. وممَّن قام بذلك كمثال، المفكر المغاربي الدكتور عبدالهادي التازي، الذي جمع مئة رحلة مغاربيَّة في كتاب من مجلَّدين تحت نفس العنوان «مئة رحلة مغربيَّة ورحلة»، ومنهم الشيخ حمد الجاسر، في مجلد واحد «أشهر رحلات الحج»، والأستاذ محمد أحمد محمود في كتاب من عدة مجلَّدات بعنوان «رحلات الحجِّ».