كيف نتعامل مع الشعور بالملل؟

كيف نتعامل مع الشعور بالملل؟

الملل.. حالة شعوريَّة طبيعيَّة يختبرها كل إنسان.. يقف معها في مواجهة مشاعره وأفكاره وجهًا لوجهٍ، ويتعلَّم منها عن نفسه وانفعالاته الشيء الكثير، ومع الملل يعاني من عدم الارتياح، وطغيان أفكار مزعجة، وأحيانًا مخيفة. يقول (برتراند راسل): «السأم يسبِّب نصف خطايا الإنسان».

كثير من أفعالنا هي لتجنُّب الضجر، ونابعة من ملل يُحفِّزنا لتملئة فراغات حياتنا الخاوية. لذلك نتوق للانشغال بالناس، وما يدور في وسائل التواصل الاجتماعي، وبأحداث في معظمها غير مهم، وليست ذات نفع. يقول الحكيم (شوبنهاور): «إنَّ الحياة تتأرجح كالبندول بين الألم والملل. فكل رغبة تتأرجح بين حالتين: حالة الألم قبل أنْ تدرك، وحالة الملل بعد أنْ تشبع، وكلتا الحالتين تفرض الشقاء على الإنسان».

ويرى (إريك فروم) أنَّ «الملل هو أصعب عذاب» وللقضاء عليه، قد يلجأ الشخص إلى تناول أقراص مهدِّئة، أو مواد مخدِّرة، أو يتخاصم مع شريك حياته، أو تجده ينغمس في الترفيه الفارغ، أو ممارسة الإباحيَّة، أو يحاول من خلال وسائل الإعلام نسيان الملل وتجاوز الرتابة.

والمعضلة، أنَّ الملل يلقي بظلاله الشاحبة على معظم علاقات الزَّواج، فالوهج واللهفة والشغف أمور عابرة لا تستمر، والحب يذوي ويضعف لا محالة. لذا، من المهم وضع تلك الفكرة في الحسبان عند قرار الزواج، والاستعداد لذلك الفتور المصيريِّ، والضجر الحتميِّ، وانحسار «الرومانسيَّة»، بالتفهم الواقعيِّ والتواصل الصحيِّ، والتفاهم لوضع أسس متجددة للعلاقة بين الزوجين.. لعل وعسى!.

إنَّ الإنسان الغني ذاتيًّا، الممتلئ فكريًّا، يمكنه مقاومة أوقات الملل، والحصول على قدر جيد من الإثارة والسعادة، حيث يمتلك ما يكفيه من قدرات التأمل والتفكير التي توفر له مصدرًا للمتع الأكثر رقيًّا ونبلًا، ومشاعر بهجة تغنيه عن اللجوء إلى المتع الحسيَّة الخارجيَّة الزائفة الزائلة. فالفلسفة، مثلًا، تبقي الفرد في حالة دائمة من الدهشة، كما يمكن لشخص بقدرات عقليَّة عالية، ووعي جيد، وأفكار خصبة، وإدراك متسامٍ، أنْ يطرد الملل، ويجد في وحدته ما يسليه، بغض النظر عن وجود الآخرين والظروف حوله.

«لا تنسَ.. اقرأ، حتَّى وإنْ شعرت بالملل، دع الكتاب يقوم بالمهمَّة.. لا يعني شيئًا للقارئ إنْ لم يفهم بعض الصفحات، يكفي أنَّه يشعر بالحماس لإتمامه».. كانت تلك نصيحة الكاتب (عبدالرحمن منيف)، للكاتب (علي حسين).