الأمن: من حارس القافلة إلى الطائرة دون طيار

الأمن: من حارس القافلة إلى الطائرة دون طيار

(من طفل يحرس قافلة، إلى «درون» ترصد كل المسارات المؤدِّية إلى مكَّة المكرَّمة، والمشاعر المقدَّسة)..

هذا ليس نصًّا من خيالات عشَّاق الدراما، ولكنَّها حقيقة تروي واقع الحجِّ، والتحوُّلات الأمنيَّة في العهد السعودي الزاهر.. وتعالوا نأخذ هذه التحوُّلات من البداية..

*****

.. قبل عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- كان الأمن هاجسَ مَن يقصد بيت الله الحرام من الحجَّاج، حيث الخوف، وقُطَّاع الطرق، إضافة إلى ما يحف رحلة الحجيج من مخاطر، وصعاب، حتى قِيل في وصف هذه الرحلة، بأنَّ (الذاهب فيها مفقود، والعائد منها مولود).

وعندما نجد قاطع طريق يقتل حاجًّا، ويغضب؛ لأنَّه لم يجد معه سوى حفنة من الدراهم لا تساوي تعبه وقيمة رصاص بندقيَّته، ندرك مدى استرخاص الأرواح ومخاطر الموت..!

*****

.. ومنذ أنْ جاء الملك عبدالعزيز، كان همُّه الأوَّل الأمن، وتأمين طرق قوافل الحجَّاج.

وممَّا أثار دهشة العالم -الذي كان يرقب ماذا يمكن أن يفعل ابن سعود- هي تلك التحوُّلات الأمنيَّة السريعة في تأمين طرق قوافل الحجَّاج، وبسط الأمن في الحجِّ عمومًا.

وحكاية الطفل التي سقتها في المقدِّمة، هي ممَّا أورده الأديب العربي إبراهيم المازني، وهو يرصد أحد مشاهد التحوُّلات الأمنيَّة التي شاهدها أمامه يقول:

«… وكانت الجمال تسير في قوافل من جدَّة إلى مكَّة وهي تحمل بضائع شتَّى في الصناديق والأكياس والغرائر، وليس معها سوى طفل واحد، هو حرس كل هذه القافلة»…!

*****

.. ويؤكِّد ذات الحقيقة، أمير البيان (شكيب أرسلان) الذي حجَّ عام ١٣٤٨ يقول:

«لو لم يكن من مآثر الحكم السعودي سوى هذه الأمنة الشاملة الوارفة الظلال على الأرواح والأموال، التي جعلت صحارى الحجاز، وفيافي نجد آمنَ من الحواضر الأوروبيَّة، لكان ذلك كافيًا في استجلاب القلوب، واستنطاق الألسن في الثناء عليه»..

*****

.. ثم من بعد المؤسس، وعبر العهود المختلفة لأبنائه ظل (الحج الآمن) منهجاً ورسالة، وأصبح أمن الحجاج خطاً أحمر لا يمكن المساس به، رغم ما واجهناه، وما قد نواجهه من مؤامرات ودسائس، ومحاولات للعبث بأمن الحجاج.. والتاريخ لا يخلو من بعض العبثيات التي كان لها رجال أمننا بالمرصاد..

*****

.. لقد تضاعفت أعداد الحجَّاج كثيرًا، وبأرقام قياسيَّة، فمن آلاف في البدء، حتى تجاوز المليونين حاليًّا، لكن في المقابل تزايدت أعداد رجال الأمن السعودي، ومشاركة كافَّة القطاعات العسكريَّة؛ ليكون الجهد الأمني في مستوى الاستيعاب لتلك الزيادة العدديَّة الضخمة..

*****

.. وعن القدرات والآليات تتنوَّع وتتطوَّر بشكل كبير من عام إلى آخرَ.

ثم يُضاف إلى ذلك التقنيات الرقميَّة، والذكاء الاصطناعيِّ، والأنظمة المتطوِّرة جدًّا، ورأينا كيف طائرات «الدرون» تلعب دورًا مهمًّا في الرقابة والمتابعة الأمنيَّة..

*****

.. لقد اكتسب الأمن السعودي خبرات تراكميَّة مذهلة في الرصد، والاكتشاف، وإدارة الحشود، واختراق الجموع.

وكل ذلك يعزِّز أمن الحجِّ، وسلامة الحجيج.. وهناك دول تحاول استنساخ التجربة الأمنيَّة السعوديَّة والاستفادة منها..

*****

.. أخيرًا: ليس سهلًا إدارة كل هذه الجموع، في مكان وزمن واحد، وليس سهلًا بدرجة أكبر أن تحفظ الأمن داخل هذه الجموع.. ولكنَّه توفيق الله أوَّلًا، ثمَّ حرص القيادة الرشيدة، ويقظة سواعدنا البواسل.