تصريح الحج: نظام قانوني يضمن الحفاظ على الشعيرة وسلامة الحجاج والمجتمع

تصريح الحج: نظام قانوني يضمن الحفاظ على الشعيرة وسلامة الحجاج والمجتمع

تصريح الحج ليس مجرد إجراء إداري، بل هو ضرورة شرعية ووطنية تحفظ الأمن والمقدسات، وتصون حقوق الحجاج والمجتمع من الفوضى والمخاطر المحتملة. الحج عبادة عظيمة لكنه ليس تجمعًا بشريًا مفتوحًا بلا ضوابط، بل هو شعيرة تقوم على النظام والتنسيق لضمان تحقيق مقاصده الكبرى في الطهر والسلام والوحدة. ومن هنا، فإن التصريح لم يكن مجرد وسيلة لتنظيم الحج، بل هو جزء من فقه المآلات ومقاصد الشريعة التي تؤكد على حفظ الضروريات الخمس: الدين، النفس، العقل، العرض، والمال.

حفظ هذه الضروريات هو أساس استقرار أي مجتمع، وأي تجاوز لها يؤدي إلى فساد في الأرض وظلم للمسلمين. فمن يتسلل إلى الحج دون تصريح قد يحمل معه أمراضًا معدية تهدد حياة الآلاف، أو يتسبب في فوضى تعيق الأمن وتؤدي إلى التدافع والمآسي الجماعية، أو يزاحم كبار السن والمرضى، ويؤخر الخدمات عن المستحقين. وهذا من ظلم المسلم لأخيه الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه”. ومن هنا، فإن تجاوز الأنظمة الشرعية لا يعكس حرصًا على أداء الفريضة، بل هو تعدٍّ على حقوق الآخرين، وسلبٌ لأمانهم وراحتهم.

إدراك المسلم لهذه المسألة هو جزء من وعيه الشرعي وبصيرته الدينية، فلا يجوز له أن ينجرف خلف من يهوّن من أمر التصريح ويزعم أنه مجرد تنظيم إداري بلا قيمة دينية. ومن يفتي بجواز الحج دون تصريح فإنه لا يستند إلى علم راسخ، بل يناقض مقاصد الشريعة التي تأمر برفع الضرر وعدم الإضرار بالآخرين. العلماء الربانيون هم الذين يدركون أن العلم الشرعي يقوم على حفظ الحقوق، وأن الفوضى في الحج ظلمٌ للمسلمين ومخالفة شرعية، ومن يهوّن من أهمية التنظيم يضع المسلمين في دائرة الفوضى، وليس في دائرة الفقه الحق.

عدم الالتزام بالتصريح لا يؤثر فقط على الحجاج، بل يلحق الضرر بأهل الأرض الذين يحملون مسؤولية خدمة ضيوف الرحمن، إذ يؤدي إلى الفوضى وتعطيل مصالح سكان مكة والمناطق المجاورة. فمن يدخل دون تصريح يزيد الضغط على البنية التحتية، ويستهلك موارد مخصصة لحجاج النظاميين، ويتسبب في ازدحام غير محسوب يعوق حركة السكان والمرافق العامة. وهذا تعدٍّ واضح على حقوق أهل الأرض الذين جعل الله لهم دورًا في خدمة الحجيج، فليس من العدل أن يُرهق أهل البلد نتيجة تجاوزات غير مسؤولة، إذ إن الحج شعيرة قائمة على الطهر والنقاء، “لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج”، فمن يخالف النظام فهو في الواقع يمارس شكلًا من الظلم والتعدي الذي لا يليق بالمقام الشريف.

ومنذ أن شرف الله المملكة العربية السعودية بخدمة الحرمين الشريفين، وضعت الدولة أمن الحج وسلامة الحجاج على رأس أولوياتها، وسخّرت كل الطاقات والإمكانات لتحقيق حج آمن ومنظم، يضمن عدم وقوع الفوضى والتدافع القاتل كما كان يحدث في عصور الإهمال وانعدام التنظيم، ويوفر الحماية من الأمراض والأوبئة من خلال أنظمة صحية صارمة، ويبعد الحج عن أي استغلال سياسي أو طائفي ليظل عبادة خالصة لله وحده. وتستخدم المملكة أحدث الأنظمة الأمنية والإدارية لرصد الحشود وضبط تدفقهم وفق مسارات آمنة، كما تعمل فرق الأمن والصحة بشكل متواصل لضمان سلامة الحجاج وتقديم الخدمات لهم بطريقة تضمن وصول كل حاج إلى حقه دون ازدحام أو مشقة.

ولأن حماية النظام ليست خيارًا، بل ضرورة شرعية وأمنية، فقد فرضت الدولة عقوبات صارمة على من يحاول التحايل على التصريح، تشمل عقوبات مالية ،الحبس، مصادرة وسائل النقل المستخدمة في التهريب إحالة بعض المخالفين للنيابة العامة والتشهير في حالات معينة لضمان الردع العام و المنع من دخول المملكة وفق للمدة المحددة. هذه الإجراءات ليست تعسفًا، بل مسؤولية تجاه سلامة ملايين الحجاج، ومن لم يرتدعه ضميره، ردعه القانون.

إن الحج عبادة عظيمة لكنها لا تؤدى على حساب أرواح الناس ولا استقرار البلاد، ومن يفتي بجواز الحج دون تصريح فقد خالف الإجماع، وخان أمانة العلم، وعرّض المسلمين للضرر. فالمسلم الواعي يدرك أن التصريح اليوم جزء من شعيرة الحج، لا يفرض إلا لحفظ أمن الحجاج وتنظيم المناسك، والنظام وسيلة شرعية لتحقيق المقاصد الكبرى التي تتجلى في حفظ النفس ورفع المشقة. ومخالفة ذلك تفسد الحج وتعرض الناس للخطر، مما يناقض جوهر العبادة نفسها، فالحج ليس تحديًا بين الإنسان والقانون، بل هو طاعة لله تتطلب الامتثال للنظام الذي يحقق العدالة ويحفظ سلامة الجميع.

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.

@Hasnaa_kz