من الأحياء الشعبية إلى الرقي.. والحج في المقدمة

من الأحياء الشعبية إلى الرقي.. والحج في المقدمة

في طفولتنا، كان موسم الحج حدثًا استثنائيًا ننتظره كما ننتظر العيد، لا لأجل الهدايا، بل لأن بيوت مكة كانت تفتح نوافذها وقلوبها لضيوف الرحمن. كنا نؤجر غرفنا للحجاج، ونعدّ المارة من مختلف الجنسيات، نحسبهم واحدًا واحدًا، ونؤمن ببركة هذا العدّ، كأننا نُجري إحصاءً رسميًا للحجيج!

لم يكن في أيدينا آنذاك سوى الترقب، أما اليوم، فالعالم يطلع ويُحصي معنا، ويتابع بإعجاب تلك المنظومة السعودية المتكاملة التي تُدهش الزائر قبل أن تُدهش الحاج.

موسم حج 1446هـ / 2025م كان شاهدًا على منجز سعودي متفرد، رسم صورة مشرقة لإدارة الحشود، والخدمات الصحية، والنقل، والإعلام، والتنظيم التقني.

فقد استقبلت المملكة أكثر من 1.7 مليون حاج من شتى بقاع الأرض، وصل 94% منهم عبر المطارات، بتنظيم دقيق وتيسير مذهل. وساهمت 62 شركة طيران في نقل الحجاج من 238 وجهة عالمية، عبر أكثر من 7 آلاف رحلة.

كما كان قطار الحرمين عنصرًا حيويًا في حركة الحجاج، موفرًا أكثر من مليوني مقعد لنقلهم بين مكة والمدينة.

أما على صعيد الخدمات الصحية، فقد أبهرت المملكة العالم من جديد: 11 طائرة إخلاء جوي، 900 سيارة إسعاف، 71 نقطة إسعافية، 7500 مسعف، و3 مستشفيات ميدانية تجاوزت سعتها الإجمالية 1200 سرير.

ولم يكن الإعلام غائبًا عن هذا المشهد، بل كان حاضرًا بقوة: أكثر من 5 آلاف إعلامي شاركوا في نقل تفاصيل الحج، بدعم من 25 عربة بث و28 منصة إعلامية وأكثر من 120 كاميرا ترصد لحظة بلحظة.

هذا كله لم يكن صدفة، بل ثمرة سنوات من الخبرة، والتخطيط، والاستثمار في الإنسان والتقنية، والوفاء بقيمة “خدمة الحاج” التي تحملها السعودية بصدق وشرف.

ما بين شبابيك مكة القديمة والمنصات الرقمية الحديثة، سارت المملكة بخطى واثقة من الحارة للحضارة… والحج في الصدارة.