مأوى الدبابير

حين يتجاوز الشاب السعودي المقابلة الشخصيَّة، أوَّل ما يفهمونه أنَّه أحسن اختيار هذه الشركة المرموقة، التي توفِّر الأمان الوظيفي، والعلاوة المجزية، وحين يباشر العمل، يرى الطيبة وروح التعاون تتلألأ في عيون زملائه؛ لدرجة أنَّه يريد أنْ يظلَّ ليل نهار وسط أسرة العمل المرحة والمتحابَّة، وحين تمر السنوات الطويلة، وهو لا يزال عالقًا بنفس الدرجة الوظيفيَّة، ينتابه شعور مؤسف، بأنَّه لم يكن سوى «نحلة»، تشقى على مدار الساعة، لتدَّخر «العسل الطبيعي»، لمصلحة الدبابير الفاسدة!!
لهذا: يعمل الموظف السعودي في القطاع الخاص كالنحلة، مسخِّرًا زهرة شبابه وعصارة خبرته، لتنمية خلية الشركة، لكنَّه لا يستطيع تطوير نفسه؛ لأنَّ «الدبـور المتسلِّط» سرعان ما يهاجمه ويسرق جهوده، قبل أنْ يحمله إلى (عش الدبابير)؛ ليقطعوا رزقه، مستغلًّا قلة حيلة «النحلة» التي لو لسعته بتموت محلَّها، ومتناسيًا أنَّ «الدبابير المحرِّضة» مصيرها تجوع وتنهش لحمه!!
مشكلة المناصب الإداريَّة في القطاع الخاص، أنَّها قائمة على الواسطة والمحسوبيَّة، وليس على الكفاءة والإنتاجيَّة، وآخر اهتمامات الدبابير المتنفِّذة، الارتقاء بالمنشأة على يد السواعد الوطنيَّة المتميِّزة، لذلك تجدهم يتعمَّدون (الترقيات البرشوتيَّة)، من خلال الإنزال الوظيفيِّ لشخص عدائيٍّ يفتقر المهنيَّة، ثم يلمِّعونه ويرقُّونه، ليستشعر نعمة السلطة من جهة، فيكرِّس لهم الولاء والطَّاعة، فيما يحافظون عليه من جهة أخرى لأنَّه مجرَّد «ممسحة»، وعقليَّة فارغة، لا يمكنها تهديد مناصبهم الإداريَّة!!
في كل جهة عمليَّة، هناك فريقان: فريق يكرِّس وقته وجهده لاداء مهامه الوظيفيَّة، من أجل الارتقاء باسم الكيان وتطويره، وفريق آخر، يسعى بكلِّ ما لديه من نفوذ وصلاحيَّة، لإيقاف وإحباط الفريق الأوَّل، حتى لا تتكشف أفكارهم السخيفة، وإمكاناتهم المحدودة، ويفقدوا مكتسباتهم الشخصيَّة، الغريب، أنَّ الإدارة المعنيَّة، غالبًا ما تقف في صف الفريق المخرِّب، حيث تؤيد مواقفه السلبيَّة، وتمضي قراراته التعسفيَّة، وتعاميمه الاستفزازيَّة، ربَّما، أقول -ربَّما- لأهداف ومصالح تبادليَّة!!
والأغرب، أنَّ مَن ينتمي للفريق المجتهد، دائمًا ما يُقابَل بالتَّهميش والشَّكاوى الكيديَّة، التي تحاول أظهاره، بأنَّه إنسان «زعول»، ومشكلاته كثيرة، فقط، لأنَّه طالب بتقدير نجاحاته، تحسين وضعه، ومعاملته مثل غيره، لكنَّ هذا لا يعجب الشلة المتنفِّعة، التي تحاول فرض سيطرتها بأساليب ملتوية، فتعمد لتهميشه، وتقليص صلاحيَّاته، حتَّى يضطر لتقديم الاستقالة، فيعينوا مكانه عقليَّة فارغة -يسهل ضمها للشلة- بضعف راتبه وبدلاته؛ ليفوِّتوا على الشركة الأرباح المتوقَّعة ويكبِّدوها الخسائر المفاجئة!!
كل هذا التطفيش الحاصل للشباب السعوديِّ في بعض القطاعات الخاصة، هو نتاج طبيعي لبعض الأنظمة العماليَّة التي يسهل استغلالها لإنفاذ التسريحات الجماعيَّة بينما يستحيل استغلالها لإعادة المفصولين بطرق غير نظاميَّة، هو نتاج أفواج الأجانب الذين احتكروا المناصب الإشرافيَّة وحاربوا الكفاءات الوطنيَّة، هو نتاج أسراب «الدبابير المحرِّضة» التي تختار في كل مرَّة دبورًا فاشلًا وناقمًا «لا ينتج العسل»؛ لتصنع منه «الدبور المتسلِّط» الذي يمكنه إبادة «خليَّة النحلة»، قبل أنْ تجوع الدبابير وتنهش لحمه!!