بصمة الحضور: هل هي الحل أم العقبة؟

في إطار الجهود المبذولة لتطوير منظومة التعليم، وتعزيز الانضباط الإداري، بدأت وزارة التعليم بتفعيل نظام بصمة “حضوري” في المدارس للمعلِّمين والمعلِّمات (كما سمعنا)، وهو إجراء يهدف إلى ضبط الحضور والانصراف بشكل إلكترونيٍّ ومنظَّم، وهذه الخطوة وإنْ كانت من الناحية الإداريَّة مهمَّة لضبط الدوام، إلَّا أنَّ الاعتماد عليها كمعيار أساس لتحسين التحصيل العلميِّ يطرح تساؤلات حقيقيَّة حول فاعليتها في تطوير جودة التعليم، فمن المهم أنْ ندرك أنَّ التحصيل العلمي ليس ناتجًا مباشرًا للحضور والانصراف، بل هو نتيجة لجودة الأداء، والتحفيز، والتمكين المهني، فالمعلِّم أو المعلِّمة حين يحضر كل واحد منهما جسديًّا في مدرسته، فهذا لا يعني بالضرورة أنَّه يقدِّم تعليمًا فعَّالًا، والعكس صحيح، فما يصنع الفرق الحقيقي هو الحماسة، والإخلاص، والأمان، والسعادة، والقدرة على التأثير الإيجابي في الطلاب.
وهنا تأتي الحاجة إلى توسيع مفهوم التطوير المهني؛ ليتجاوز البصمة والرقابة، إلى رعاية شاملة للمعلِّمين والمعلِّمات، وإعادة المكانة العالية لهم، ويجب أنْ يشعر المعلِّم والمعلِّمة بالأمان الوظيفي، وأنْ تُوفَّر لهم بيئة تحميهم من الضغوط النفسيَّة والإداريَّة والإعلاميَّة ومواجهة الجمهور، ويجب على وزارة التعليم أنْ تدعمهم في كل مرحلة من مراحل عملهم، فالمعلِّم والمعلِّمة عندما يُمكَّنون ويُحفَّزون، يكونون أكثر عطاءً، وأكثر التزامًا، وأكثر ولاءً لمهنتهم، وهذا ممَّا يميِّز الشركات الرائدة وموظفيها، والتي أتى من أحدها معالي وزير التعليم الأستاذ يوسف البنيان.
ومن هذا المنطلق، فإنَّ الدعم المؤسسي يجب أنْ يشمل مسارات تطويريَّة حقيقيَّة، ومكافآت عادلة، وإعادة النظر في سلَّم الرواتب والحوافز والبدلات، وإيجاد برامج رعاية صحيَّة ومهنيَّة وإنسانيَّة، ولا يكفي أنْ نراقب المعلِّم بالبصمة، بل يجب أنْ نستمع إليه، ونفتح له المجال؛ ليشارك في تطوير السياسات التعليميَّة، وأنْ يشعر بأنَّ الوزارة شريكة له، لا جهة تفرض عليه الأوامر فقط.
كما أنَّ المكافآت التشجيعيَّة سواء أكانت ماليَّة أو معنويَّة لكل عمل يقوم به المعلِّم والمعلِّمة كالأنشطة والمشروعات والبرامج والفعاليَّات، تسهم بشكل مباشر في رفع الأداء والرضا الوظيفي، ولعلَّ من أبرز مظاهر التحفيز أنْ يتم تسليط الضوء على النماذج المتميِّزة من المعلِّمين والمعلِّمات، واختيار المتميِّزين في كل شهر وتكريمهم أمام المجتمع، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفير الجوائز على مختلف الأصعدة بدون تعقيدات وشروط تعجيزيَّة، فهذا يعزِّز احترام المهنة، ويرفع من شأنها في عيون الجميع.
ولعلَّ تحديد المهام وحصرها على التعليم، وعدم إرهاق المعلِّمين والمعلِّمات بالتكاليف الأُخْرى التي تُطلب منهم دون مقابل، وفتح الباب لمن يرغب في العمل الإضافي، أو الالتحاق بالأنشطة والبرامج وفق شروط وامتيازات ماليَّة ومعنويَّة سيكون له الأثر في رفع مستوى التحصيل العلمي وكفاءة الإنتاجيَّة.
ولا يمكن أبدًا إغفال أهمية خلق بيئة تعليميَّة جاذبة داخل المدرسة، من حيث التجهيزات، والمرافق، والقيادة المدرسيَّة الإيجابيَّة، ووجود مناخ عمل يسوده الاحترام والتقدير المتبادل، فكل ذلك ينعكس بشكل مباشر على أداء المعلِّم والمعلِّمة، وعلى علاقتهم بالطلاب، وعلى مستوى التحصيل الدراسي العام.
* همسة الختام:
البصمة أداة تنظيميَّة لا غنى عنها، لكنَّها لا تُغني عن التقدير والتحفيز والتمكين الحقيقي، فالمعلِّم والمعلِّمة هما محور العمليَّة التعليميَّة، وإذا أردنا أنْ نرتقي بمستوى التعليم، فعلينا أنْ نستثمر في الإنسان قبل النظام، وحينما يشعر المعلِّم والمعلِّمة أنَّهما مدعومان، وآمنان، ومحميِّان، ومقدَّران، فإنَّهما سيمنحان أكثر ممَّا يُطلب منهما، وسيصنعان أجيالًا تفتخر بها الأوطان.