التقاليد مُقدَّسة

التقاليد مُقدَّسة

بعضٌ من الأعراف والتقاليد في المجتمعات البشريَّة، منذُ بدء الخليقة تُحوَّلُ إلى مقدَّسٍ تُقامُ من أجله الطُّقوس والشَّعائر التي تجعله مُحرَّمًا. فحدث تاريخي، أو يومُ ذو خصوصيَّة يجعله البعضُ يومًا يُخرجه من دائرة المُباح، إلى دائرة التَّحريم في كثير من الدِّيانات السماويَّة.

في عصور إسلاميَّة سابقة، كانت مدينة بُخارى إحدى أهمِّ المدن التجاريَّة على طريق الحرير، الذي يربط ما بين أقصى شرق قارة آسيا بقارة أوروبا، وكانت أسواقها عامرةً بكلِّ أصناف البضائع والسلع، ورغم أنَّ الإسلام دخلها مبكِّرًا، وأسلم أهلها وخرج منها علماء، منهم الإمام البخاري، صاحب كتاب الحديث الشَّهير، إلَّا أنَّ فيها سوقًا، وكان يُعقد مرَّتين في العام، كانت تُباع فيه الأصنام وبوفرةٍ كبيرةٍ.

ينقلُ رحَّالة مسلم، عاش في القرن 4هـ -10م، بأنَّ ما يُباع من الأصنام «يربو قيمته على خمسين ألف درهم في اليوم الواحد». ويقول «كنتُ أعجبُ -غايةَ العجبِ- لأيِّ شيءٍ أقاموا هذه السوق؟ فسألتُ المعمِّرين، ومشايخ بخارى:

ما سبب هذا؟ فقالوا: إنَّ أهل بخارى كانوا قديمًا عبدة أوثان، فصارت هذه السوق تقليدًا، ومنذ ذلك التاريخ تُباع فيها الأصنام، وما تزال باقيةً للآن».

مثل هذا، أي تحَوُّل التقليد إلى مُقدَّسِ يوجد بين شعوب ومجتمعات عدَّة عبر التاريخ، ونحن في عالمنا الإسلامي، ومن خلال حكومات دول كبيرة، حوَّلت حكوماتها بعضًا من الأعراف والتقاليد إلى مقدَّسات خاصَّةً أيام الفاطميِّين العُبيدين في مصر وشمال إفريقيا، والصفويين الفرس في إيران والعراق، بحيث جعلوا من أيام معيَّنة في العام ذات قداسة تُقام فيها ومن أجلها طقوسٌ بعيدة -كلَّ البُعدِ- عن جوهر الدِّين الإسلاميِّ السَّليم في بساطته ووسطيَّته. كما أنَّ العرب قبل الإسلام كانت لهم أيامٌ مقدَّسة، وأُخْرى يتشاءمون منها، وللأسف لا زالت باقيةً تُمارس في عدد من المجتمعات المسلمة حتى أيامنا هذه، منها التشاؤم من شهر صفر، علمًا أنَّ شهر صفر مثله مثل بقية شهور العام، ليس له من خاصيَّةِ تجعله منبوذًا، كما أنَّ رسولنا الكريم -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قد أبطل هذا العُرف ونهى عنه.