الأمير: الجانب الإنساني

الإمارةُ ليست سطوةً وجبروتًا.. والأميرُ ليس مَن يبطش ويتجاهل النَّاس، ويتعالى عليهم، كما يظنُّ البعض من العوام.. وعبر الأزمنة المتلاحقة، كَتبَ لنا التاريخُ قصصًا لأمراء كانوا في قمَّة الإنسانيَّة والتواضع، وهم بقوَّتهم يستطيعون قلب موازين كل حدث.. لكنَّ الأمير حين يخرج من بيت الإمارة، تشعُّ دواخله بكتل الإنسانيَّة والأخلاق والأحاسيس، التي تُرغمك على احترامه.
فهد بن سلطان بن عبدالعزيز، الإنسانُ قبل الإمارة.. ومرهفُ الأحاسيس قبيل الإدارة، وهو ليس بحاجةٍ لمَن يكتب عنه، فقد سبقت أفعالُه أقوالَه.. عرفتُه وكيلًا لرعاية الشباب في بداية مشواري الصحفيِّ، والتقيتُه قائدًا هُمامًا حين تسنَّم إمارة منطقة تبوك قبيل أربعين عامًا. لم تغيِّره المناصبُ؛ لأنَّه من بيت الإمارة، ولم تثنه المشاغلُ عن إنسانيَّته العالية. أحبَّه أهالي تبوك؛ لأنَّه استشعر أفئدتهم، فقضى الكثير من حوائجهم؛ ليزرع بينهم بصمةً رائعةً داخل كلِّ بيت، مفادها «فهد بن سلطان «.. حين تشكو الأرملةُ، ويبكي اليتيمُ يُقال له: «رُحت للأمير»؟ وحين يستفزع به المظلومُ حتَّى لو الشكوى منه وعليه.. كان ينزل للحقِّ، وينصف صاحبه بلا تردُّد. يعرفه كلُّ مَن عمل معه، ورغم رفضه البوح بما يفعل، إلَّا أنَّ النَّاس شهودُ اللهِ في أرضهِ.. عُرف بالخفاء بين النَّاس وكأنَّه «جابرٌ لعثرات الكِرام»، حين يخرج بالخفاء، يتفقَّد مَن هُم أمانة أُوكلت إليه من قِبل ولي الأمر.
وحقيقةُ القول: إنَّ «فهد بن سلطان» ليس أميرًا اعتياديًّا، بل هو نبعٌ يفيضُ بجينات «سلطان بن عبدالعزيز» -عليه شآبيبُ الرَّحمةِ- الذي ملأ الأرض بكرمه اللامتناهي حتَّى قِيل فيه «يا حظ مَن لقاه سلطان».
خلال العام المنصرم، لم يكن تخرُّج طلاب جامعة تبوك حفلًا اعتياديًّا، بل كان استثنائيًّا بكلِّ تفاصيله، حين تحجَّرت الدموع في المآقي، ثم سالت على وجنتَي «الأمير النَّبيل فهد بن سلطان»، كانت دموع الأب والقائد الذي نثر حبَّه للمنطقة شاهدةً على نتائج ما زرعه فيها لحظة تخرُّج الأبناء والبنات، فكانت في جامعة تبوك لحظات أبكت الجميع..
فهد بن سلطان الأمير مرهف الإحساس، صاحب القلب الكبير، رأيته بالرياض يلملم شماغه، وهو يتوارى بدموعه في لحظات حمل نعش الأمير ووالد الجميع سلطان بن عبدالعزير -جعله الله في جنات النعيم- لحظات أبكتنا جميعًا، لكنَّها كانت الأكثر في وجه الأمير فهد بن سلطان، بكينا معه، وبكينا لأجله؛ رأفةً بنفسه هو الأكثر حنانًا وعاطفةً بقلب يملؤه الحنانُ، وروح متَّقده تشعُّ بالعاطفة الجيَّاشة.
ولعلَّ أهالي تبوك وهم يشاهدون أميرهم في مجلسه اليومي بالإمارة، ومجلسه الأسبوعي في منزله العامر، يعرفون أريحيَّة أميرهم، ويستشعرون معه كلَّ الطموحات والآمال. أقول منزلًا، وليس قصرًا؛ لأنَّ تواضع سموِّه في حياته ومسكنه، يشير إلى كل ذلك.. كيف لا وهو سليل المجد في الإمارة، والخلق الرفيع.. شاهدته قبيل أيام عبر مقاطع بالتواصل الاجتماعي، يتحدَّث بعفويَّة، وبكلِّ بساطة مع المجتمع التبوكيِّ في أحد الأماكن العامَّة يثني ويشيد بالجميع. الأمير فهد بن سلطان لا يزال شغله الشاغل منطقة تبوك، وفي كل عام يقطع مئات الكيلومترات يجوب خلالها المنطقة؛ ليؤدِّي رسالةً ساميةً بتوجيه ولي الأمر لكافَّة أمراء المناطق ليقول لهم: هأنذا معكم، وبينكم، يبرأ فيها إلى الله؛ لأنه طرق كل مدينة وقرية، يقف مع هذا، ويواسي مواجع ذاك، ويصرُّ على الوجود، من أجل تحقيق المبتغى لخدمة مَن أُوئتمن عليهم، تحت إمرة قيادةٍ عظيمةٍ يكسوها الفرح لخدمة شعبها. لتخرج لنا أجمل صورة، تتجلَّى بها أحلى المواقف لإنسانيَّة فهد بن سلطان.. وكَفَى.