الإعجاب الذاتي

في زمن يزداد فيه التركيز على الذات، وصورة الإنسان أمام الآخرين، أصبحت النرجسيَّة ظاهرةً نفسيَّة واجتماعيَّة تتغلغل في تفاصيل حياتنا اليوميَّة، لا سيَّما في عصر وسائل التواصل الاجتماعيِّ الذي يعزِّز فكرة الذات المثاليَّة. النرجسيَّة ليست مجرَّد ثقة بالنفس، أو اعتزاز بالقدرات، بل هي اضطراب في الشخصيَّة، يتمثَّل في حب مفرط للذات، وشعور بالعظمة والحاجة المستمرة للإعجاب والتقدير، مع نقص واضح في التعاطف مع الآخرين، ويعود أصل التسمية إلى «نرسيس»، الشخصيَّة الإغريقيَّة الذي أُعجب بصورته المنعكسة على الماء حتَّى مات غرقًا فيها.
يقول علماء النفس: إنَّ النرجسيَّة قد تكون جزءًا من سمات الشخصيَّة عند بعض الأفراد، وقد تصل في بعض الحالات إلى مستوى اضطراب نرجسي في الشخصية (NPD)، وهي حالة مرضيَّة تتطلَّب تدخُّلًا نفسيًّا. يتَّصف الشخص النرجسي غالبًا بالغرور، وتضخيم الإنجازات، واستغلال مَن حوله لتحقيق مصالحه دون اعتبار لمشاعرهم أو احتياجاتهم.
في السنوات الأخيرة، لُوحظ أنَّ منصَّات التواصل الاجتماعي قد ساهمت في تضخيم النزعة النرجسيَّة، حيث يسعى البعض لبناء صورة مثاليَّة لأنفسهم ونشر كل لحظات النجاح أو الرفاهيَّة، وربط قيمتهم الذاتية بعدد «الإعجابات» أو التعليقات.
لكن ما لا يدركه الكثيرون، هو أنَّ النرجسيَّة تخفي وراءها ضعفًا داخليًّا عميقًا، فالنرجسي غالبًا ما يكون هشًّا من الداخل، ويعتمد على آراء الآخرين في تحديد قيمته، كما أنَّ علاقاته العاطفيَّة والاجتماعيَّة تكون سطحيَّة أو مضطربة؛ لأنَّه يجد صعوبة في بناء علاقات قائمة على الاحترام والتفاهم المتبادل.
ويُحذِّر خبراء الصحَّة النفسيَّة من تجاهل علامات النرجسيَّة، خاصَّةً عندما تؤثِّر على جودة الحياة، أو العلاقات الأسريَّة والمهنيَّة، فالمصابون بهذا الاضطراب نادرًا ما يعترفون بمشكلتهم، ويحمِّلون الآخرين دائمًا مسؤوليَّة الفشل أو التوتر.
في المقابل، يمكن التعامل مع النرجسيَّة من خلال العلاج النفسي، وخاصة العلاج السلوكي المعرفي الذي يساعد الشخص على فهم دوافعه، وتصحيح أفكاره، وبناء صورة ذاتيَّة واقعيَّة ومتَّزنة.
في نهاية المطاف، يبقى الفارق كبيرًا بين الثقة بالنفس والنرجسيَّة، فالأولى تنبع من الإيمان بالقدرات مع احترام الآخرين، أمَّا الثانية فهي قناع لضعف داخلي يحتاج إلى شفاء، لا إلى إعجاب زائف.