الذنوب العابرة: “زلات بسيطة”!

تقتضي الطبيعة البشريَّة أنَّ كل إنسان لا بُدَّ أنْ يأخذ حظَّه من الذنوب، ولا يسلم من ذلك أحد، وخطيئة أبينا آدم -عليه السَّلام- في عهد أوَّل إنسان مكرَّم في جنَّات النعيم -يعني ما كان ينقصه شيء- دليل على ذلك، وقول الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فيما يرويه أبوهريرة -رَضِي اللهُ عنه- في الحديث الصحيح: «لَوْلَا أَنَّكُم تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ اللهُ لَهُم» رواه مسلم، يشير إلى أنَّ حصول الذنب من الطبيعة البشريَّة، التي ارتضاها الله -سبحانه وتعالى- لعباده، وكذا قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، إذا انتهينا من أنَّ الذنوب من طبيعة البشر، وأنَّها شيءٌ حاصل لا محالة من العباد، بقي أنْ نؤكِّد أنَّها عابرة فقط، تحدث، فيتوب العبد إلى ربِّه فيتوب اللهُ عليه، حتَّى لو تكرَّر الذَّنب وتكرَّرت التَّوبة، فإنَّ ذلك طبيعيٌّ، وقد ورد بذلك حديث صحيح عن رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بأنَّ أحد الصحابة تكرَّر الذَّنب منه عدَّة مرَّات، وفي كلِّ مرَّة يتوب، فيتوب الله عليه، فما ينبغي أنْ تحد الذنوب العبد المذنب من التواصل مع ربِّه، ويستوي في ذلك الكبائر والصَّغائر، لكنَّ الكبائر أشدُّ خطرًا وأكبرُ إثمًا، ويُخشى على العبد أنْ يموت عليها -لا قدَّر اللهُ- دون أن تدركه توبة؛ فيكون عليه عقوبة في الآخرة.
هذا في الذنوب الكبيرة، أمَّا الذنوب العابرة (الصغائر) والتي أطلق عليها القرآن الكريم مصطلح اللَّمَم (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)، فإنَّ لها الاستثناء، والإعفاء، وهو توجيه القرآن الكريم، وإنَّها تُمحَى بالحسناتِ، لقوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ).
إنَّ الذنوب، وإنْ كانت لَمَمًا يستحي العبد المؤمن من الإصرار عليها؛ لاعتبارين، الاعتبار الأوَّل أنَّ من نعصيه عظيمٌ، وحريٌّ بتقديره في عدم الإصرار على الذنب، والاعتبار الثاني أنَّ الإصرار عليها يحيلها مع تكرارها إلى «حجم» الكبيرة، كما قِيل لا صغيرة مع الإصرار، فمستلزمات التوبة الصادقة، الإقلاع عن الذنب، والعزيمة على عدم العودة إليه، والندم على فعله، وأيُّ ذنبٍ ولو كان لَمَمًا فيه نيَّة الإصرار يُخشى على صاحبه، حيث للمعصية شؤم على صاحبها، كما تُورِّث حسرةً وندامةً وألمًا يؤثِّر في النَّفس، فالذنوب العابرة (اللَّمَم) معفيٌّ عنها، وهي من الطبيعة البشريَّة، وتُجبر بالتوبة، وعمل الحسنات حتَّى ولو تكرَّرت، مع الحرص على عدم الإصرار عليها، والنيَّة المبيَّتة، واللهُ أعلمُ وأحكمُ.