التلوث الحضري

التلوث الحضري

تحرص الأمانة (ممثَّلةً في بلديات الأحياء السكنيَّة)، على محاربة ما اصطُلح على تسميته (التلوُّث البصري)، وذلك من خلال شنِّ حملات مكثَّفة، لإزالة المظاهر غير المرغوب فيها، وتحسين المشهد الحضاري، وتوفير بيئة مريحة وامنة، وتشمل هذه الحملات: إزالة الأنقاض، المخلَّفات الصلبة، اللوحات الإعلانيَّة المخالفة، المركبات التالفة، ومظلات السيَّارات الشمسيَّة، وكل هذا الحرص الدؤوب طبعًا يقترن بفرض غرمات ماليَّة مغلَّظة!!

في الوقت الذي تحرص فيه البلديَّة، على محاربة مظاهر (التلوث البصري) في الشوارع والميادين والأحياء السكنيَّة، لأجل فرض الغرامات الباهظة، أهملت القيام بواجباتها تجاه أنسنة المدينة، فتكدست الحاويات العشوائيَّة، الشوارع المحفرة، العمائر المتفاوتة، وشكلت ما يمكن تسميته (التلوث البلدي)!!

من أسوأ مظاهر التلوث البلدي: حين تتفاجأ راجلًا أو راكبًا بأكثر من حاوية نفايات عملاقة، وقد شكلت حيِّزًا كبيرًا من مساحة الشوارع الفرعيَّة، ووضعت أمام العمائر والفلل السكنيَّة بطريقة فوضويَّة، وهذا ليس حكرًا على الحارات القديمة، بل حتى الأحياء الجديدة، وكان من المفترض معاملتها معاملة كيابل الكهرباء، بتخصيص أماكن ثابتة ومرنة داخل بلوكات الاراضي المخططة، باعتبارها المولد الرئيس لأنوار النظافة والحضارة!!

من أسوأ مظاهر التلوث البلدي: حين تقصم ظهرك، وتكسر عكوسك الحفر الكثيرة، بمعظم شوارع الأحياء الشمالية، خاصة: الحمدانية، الماجد، الكوثر، الفلاح، الصالحيَّة، والتي شوَّهت -بحقٍّ- الجهود المبذولة لدفع عجلة النهضة الاقتصاديَّة والسياحيَّة؛ لدرجة أنَّ أحدهم كان ينوي ساخرًا رفع بلاغ: يوجد هناك شارع نظيف ومنار وخالٍ من الحفر باتجاه مخطط 83 يجب معالجته، ليتفاجأ ثاني يوم مصادفة بوضعهم عدة مطبات صناعيَّة!!

من أسوأ مظاهر التلوث البلدي: حين يصدمك أحد ملاك العمائر الإنشائيَّة، بوضع لون قاتم يبعث للاشمئزاز والكآبة، وسط عمائر تتزين واجهاتها بأحجار الرخام والجرانيت والبورسلين، ناسفًا كل جهودهم التجميليَّة، وسأكتفي هنا بإستحضار قصة أحدهم: «لقد حرصتُ على تزيين منزل العمر بواجهة مكلِّفة، ليأتي جاري ويصبغ بيته (أسمنتيًّا)، وكلَّما وصفتُ للضيوف ومناديب التوصيل، قالوا: بيتك جنب العمارة اللي ما ضربها بويه؟!».

وهناك بالطبع مظاهر أخرى للتلوث البلدي: كأراضي حدائق الأحياء الخالية أو المهجورة، ملاعب كرة القدم الترابية، المدارس المحدودة والمكتظَّة، لذلك باتت الحاجة ملحَّة للحدِّ من مظاهر (التلوث البلدي) من خلال شن حملات رقابية مكثفة، لإزالة الإجراءت البيرقراطيَّة، الكوادر الوظيفيَّة المتسيبة، والقيادات الإدارية المترهِّلة، العاجزة عن مواكبة عجلة التطورات التقنيَّة، وكل هذا الحرص الدؤوب طبعًا يقترن بفرض عقوبات مالية مغلظة!!