ليلة لا تُمحى… وصوت لا يُسمع

ثمة لحظات لا تشبه غيرها…
لحظات يصبح فيها صمت الهاتف أشد ضجيجًا من العالم، وتتوقف فيها أنفاس البيت كله على خبر…
حين تعلم أن فلذة كبدك مريض… بعيد، وأنكم كأسرة لا تملكون شيئًا إلا الدعاء.
كان حلمي في الرياض… ونحن في جدة، أبعد من أن نلمس جبينه، أو نطمئن على نبضه.
لكن الأقرب إليه لم تكن أيدينا… بل وطنه.
هناك، في قلب العاصمة، وفي عمق نموذج الرعاية الصحية السعودي الحديث، امتدت إليه يدٌ واضحة… مدربة… ويقظة دائمًا، اسمها: المستشفى الافتراضي.
حين أصيب ابني، المهندس حلمي نتو، بعارض صحي مفاجئ، كان في طريقه إلى المستشفى داخل سيارة الإسعاف، وفي تلك الدقائق الحرجة، كانت منظومة المستشفى الافتراضي هي من تُشرف على تفاصيل حالته، ترصد المؤشرات الحيوية لحظة بلحظة، تنسق مع الطاقم الطبي، وتُصدر التوجيهات اللازمة عن بُعد وباحتراف.
كان أول من استجاب له ليس شخصًا عابرًا، بل نظامًا متكاملًا، نظامًا يعرف أهمية الدقيقة، ويدرك أن في الجلطات القلبية والدماغية لا مجال للانتظار… ولا وقت للمجازفة.
عبر مسارات الرعاية العاجلة، بدأ التدخل الطبي من لحظة صعوده إلى سيارة الإسعاف، بمساندة رقمية دقيقة من المستشفى الافتراضي التابع لوزارة الصحة، دون تأخير… ودون ارتباك.
هذه التجربة، بكل ما فيها من قلق وأمل، جعلتنا كعائلة نُدرك المعنى الحقيقي لما نسميه اليوم: الرعاية الصحية الرقمية، التي لم تعد خيارًا، بل أمانًا يسبق وصول المريض إلى المستشفى.
لم نكن هناك… لكن الوطن كان.
ولم تصلنا دقات قلبه المتعبة، لكنها وصلت إلى شاشة المستشفى الافتراضي في اللحظة المناسبة.
في زمنٍ تختصر فيه التقنية المسافات، كانت الرعاية تُغرس حيث لا تصل الأمهات… ويُسعف القلب… قبل أن ينهار.
حلمي عاد يمشي…
يحكي لنا عن “الطبيب الذي رآه من الشاشة”، وعن جهاز أنقذه من المجهول، وعن وطن، جعل من “الافتراضي” واقعًا يحيي الأرواح.
وبين قلقنا تلك الليلة… وطمأنينتنا حين سمعنا صوته من جديد، كبر في داخلنا وطن… يتقن رعاية أبنائه، ويربّت على قلوب أمهاتهم.