منزل والدتي!!

منزل والدتي!!

صغيرةٌ هذه الدنيا بكلِّ تفاصيلها.. وبكلِّ تقلُّباتها.. بالأمس نضحكُ ونستطعمُ لذَّة دعوات الوالدين في كلِّ تفاصيل حياتنا، وفجأةً يرحلون بلا مقدِّمات.. هناك أرواحٌ من البشر نعجزُ عن وصفها.. وتتلعثمُ كلُّ مخارج الحروف في أفواهنا؛ بحثًا عن سمة جميلة تُقال في حقِّهم؛ لتبقى أصواتهم تشنِّفها الآذان بعد رحيلهم..

ماتت أم عبدالله بن عبدالعزيز الوكيل الشريف.. هي ليست أُمَّه لوحده، بل أُمِّي أيضًا.. أُمِّي بعد أُمِّي التي أنجبتني ورحلتْ قبلها بعدَّة أعوام.. أُمِّي الثَّانية؛ لأنَّني وجدتُ في نبرات صوتها الذي يملأ الارض حنانًا، عجزتُ فيه أنْ أصف عاطفتها الجيَّاشة، وأُمومتَها تجاه كلِّ مَن تعرف.. وأُمِّي؛ لأنَّها أغدقتني لسنوات مضت بالتَّهليل والتِّرحاب، كلَّما استمعتُ لصوتها ودعواتِها التي تجلجلُ الأرضَ عبر الأثير؛ لنخطو بثقةٍ على وجه البسيطة..

لكُم الله إخوتي، وبني عمومتي، د. عبدالله الشريف، والعميد مهندس علي الشريف، والمُربِّي الفاضل محمد الشريف، ومعلِّم الأجيال توفيق الشريف، ونايف، وبقيَّة الأخوات الكريمات.. وهأنذا في لحظات تموجُ بي ذكريات الأيَّام حين رافقتُ أخي وابن عمِّي الأستاذ الدكتور عبدالله الشريف، أتجوَّل معه في منزله العامر، الذي أبدع في هندسته، وكنتُ أسأله: لمَن هذا المكان البديع، الذي في صدر أرضه؟ فكان يردِّد بكلِّ حُبٍّ: هذا قصرُ أُمِّي.. وهذه ردهاته.. كانت كلُّ تفاصيل البناء تُوحي أنَّ أم عبدالله هي صاحبة ذلك المكان الفسيح، والبديع في تصميمه.. وثغر عبدالله الباسم يتحدَّث بحياءٍ وكأنَّه مقصِّرٌ فيما يفعل.. هنا جناح أُمِّي، وشُرفة قصرها الذي ابتنيه لها، وهنا ستكون حديقتها، ثمَّ يتنهَّد بحسرةٍ. كلُّ شيءٍ سأفعله لها، ولكنْ مَن لي بمَن يقنعها أنْ تسكنه. كانت دواخل عبدالله تشعر برحيلها قُبيل اكتمال قصرِها الجميل..

رحلتْ أُمُّ الرِّجال، وأُخت الرِّجال، وأُمُّ كلِّ مَن عرفها وتعايش معها، وتركت لنا بصمةَ الحبِّ والطيبةِ والتَّسامح.. رحلتْ أُمُّ المساكين التي تهاتف أبناؤها ليس لحاجةٍ، فقد رفعوا قدرَهَا، وأغنوها بالعطاء، لكن بين الفينة والأُخْرى تحرِّضهم على مساعدة فلان، والعون لفلان، والمشي في حاجة هذا وذاك.. والكلُّ يلبِّي لها سمعًا وطاعةً.

رحمَ اللهُ أُمِّي، أُمَّ عبدالله بن عبدالعزيز الشريف، وجعل الجنَّة مسكنَهَا.. رحلتْ عنَّا وتركتْ بيننا عزًّا وعزوةً لرجالٍ إنْ وضعتهم في أوَّل الصفوف أو آخرها، وجدتهم أهلَ كرمٍ ونخوةٍ ومواقفَ.. عزاؤنا في أنفسِنَا لأُمٍّ عظيمةٍ ستذكرها الأجيالُ.. وكَفَىَ.