صالح خيري: الفنان الذي تم انتزاع ألحانه تحت مسمى (الفلكلور)

في خضم الأصوات التي عبرت الذاكرة الغنائية السعودية، يبرز اسم صالح خيري كأحد أولئك الفنانين الذين شكلوا وجدان المستمع دون ضجيج إعلامي، وبقيت ألحانه تمخر عباب الوجدان الشعبي بينما تُنسب أحيانًا إلى (الفلكلور) العام، في تجاهل مؤسف لجهوده كمُلحن مبدع ومجدد أصيل.
وُلد صالح خيري في ستينيات القرن الماضي بمدينة أبوعريش، ونشأ في بيت شغوف بالكلمة واللحن، فكان شقيقه علي خيري أول من دفعه نحو آلة العود، قبل أن يتحول هو بنفسه إلى آلة كاملة تُنتج لحنًا وصوتًا وشجنًا. عمل في التعليم مدرسًا للغة العربية، لكنه ظل طوال تلك السنوات صديقًا مخلصًا للغناء، حتى تفرغ له بعد التقاعد، فزادت غلّته الفنية نضجًا وأصالة.
في عام 1983، أبهر الجمهور بأغنية “عرفك تهامي” في حفل تلفزيون أبها، لتبدأ بعدها سلسلة مشاركاته في المهرجانات الوطنية، من (الفنون المسرحية) بالرياض، إلى مهرجان دمشق، حتى اعتمد صوته في إذاعة جدة، وما أدراك ما لجنة اعتماد الأصوات في ذلك الزمن!
كثير من الأغاني التي أصبحت اليوم تُغنّى ضمن الفلكلور الجنوبي أو تُقدّم كـ”تراث”، كانت في الأصل من تلحين صالح خيري، وأدائه. هذا التواطؤ على تغييب اسمه لا يُبرره سوى الجهل أو الاستسهال، ولا يُغتفر في زمن التوثيق والتقدير. فكيف تُنسب ألحان مثل: (نزلنا سوا بالملعب عسيري مع جيزاني) أو مقطوعات مثل (لعب شهري) و(يا عسل) لفلكلور مجهول المصدر، وهي موثقة باسم صالح خيري، في ألبوماته القديمة وأرشيف الإذاعة والتلفزيون؟
أما إنتاجه الغنائي والذي يعد ثروة لا تقدر بثمن فقد أصدر عدة ألبومات مميزة، أهمها: طعنة الصاحب (1993)، يا طير (1994)، البيجر (1995)، أنت رائع (1997).
وتعاون صالح خيري مع أبرز الشعراء، مثل: سعود سالم، إبراهيم خيري، سالم الخالدي، ثامر الميمان، ولحن قصائد وطنية لكبار شعراء الخليج، أبرزها أعمال موجهة للإمارات، منها قصائد للشيخ زايد بن سلطان، والشيخ سلطان بن زايد.
كما غنّى قصيدة الأمير خالد الفيصل: “يا من سلامه لي هلا يا حبيبي” بل وتقاطع مع فنانين من المغرب العربي، في تجربة غنائية مدهشة جمعت بينه وبين الفنانة المغربية حنان في دويتو “وا غزالي”.
وهنا لابد أن أسأل عن التكريم الغائب… وصرخة إنصاف فرغم حصوله على جائزة المفتاحة، لا يزال الإنصاف الإعلامي الحقيقي بعيدًا عن صالح خيري، وهو الذي نقل موسيقى الجنوب إلى الشاشة، وعبّر عنها بصوته وألحانه وشعره.
ما الذي يمنع وزارة الثقافة أو هيئات الفن من توثيق أعماله وإعادة الاعتبار له كـملحن صاحب مدرسة مستقلة؟ بل لماذا تُترك ألحانه ليعاد تدويرها بأصوات شابة تُنسب إلى “التراث”، دون الإشارة إلى صاحب البصمة الأولى؟ ومن هنا يشرق سؤال أين يمكن الاستماع له اليوم؟
فأقول: لا تزال قناته على يوتيوب ومكتبته على أنغامي تحتوي على أعماله الأصيلة، مثل: “القوة القوة”، “سهره فنية – أبغى منك شي واحد”، “قلبي وأنا حر فيه”، “واملعب فنه”.. وتكفي جملة واحدة من تعليق جمهوره لتفهم حجمه: “ألحان ما تنخلق مرتين”.
وفي الختام.. صالح خيري ليس مجرد فنان محلي، بل هو ذاكرة صوتية لجنوب المملكة. لحّن بصمت، وغنّى بإخلاص، ونُسيت ألحانه تحت اسم “الفلكلور”… بينما يستحق أن يُدرّس اسمه في المعاهد الموسيقية كأحد رواد التلحين الشعبي في المملكة.
آن لهذا الفنان أن يُنصف، لا مجاملة، بل اعترافًا بإرثٍ حقيقي يستحق الخلود.