البطحاء.. أجواء أكثر برودة من باريس!

البطحاء.. أجواء أكثر برودة من باريس!

* أحد مشاهير مواقع التواصل، خرج بمقطع مرئي؛ ينتقد سفر السعوديِّين خارج بلادهم، مُعدِّدًا بزعمه بعض سلبيات ذلك، وذكر منها: الغلاء وارتفاع التكاليف، كما أنَّ هناك، عائلات سافرت، فيما بعضها مات في الغربة لأسبابٍ مختلفة، أيضًا هناك التي عصفت فيها الخلافات الأسريَّة، ضاربًا المثال بأحد أصدقائه الذي طلَّق زوجته في باريس، وهما في شهر العسل، وختم بنصيحته للجميع: (اجلسوا في بيوتكم، ووفروا فلوسكم، وشغلوا مكيفاتكم وتليفزيوناتكم، وتابعوا اليوتيوب).. مضيفًا: (أنا سبق وأنْ سافرت للاستجمام، فوجدتُ بأنَّ البطحاء في الرياض أبرد من باريس؛ لأنَّ هذه المدن الأوروبيَّة غير مجهَّزة).

*****

* وهنا كل التقدير والاحترام لشخص ذلك الرجل، ولرأيه، فحقُّه الأصيل أنْ يفصح عنه، ولكن من حقنا مناقشته، فبدايةً مَن يعرفه ويُتابعه، يجده كثير السفر، وبالتالي وحتَّى يكون مقنعًا، عليه أنْ يلتزم هو بما طرحه من نصائح تحمل مخاطر الترحال، حتى لا يكون من (أولئك المشاهير) الذين يُمارسون فقط (التنظير على الغلابى)، وكذلك حتى لا ينطبق عليه: (لو غيرك قالها…).

*****

* ومن جانب آخر، فما ذكره من سلبيَّات حول السفر الخارجي؛ تبدو حالات فرديَّة ومحدودة من محيطه ومشاهداته، لا يمكن أنْ تبنى عليها الأحكام العامة، فالسفر المنضبط له العديد، بل والكثير من الإيجابيات والفوائد، يكفي فيها قول الشافعي -رحمه الله-:

تغرَّبْ عَن الأَوطَانِ فِي طَلَبِ العُلَا

وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِد

تَفَرُّجُِ همٍّ واكتسابُ معيشَةٍ

وَعِلْمٌ وَآدَابٌ وَصُحْبَةُ مَاجِد

*****

* الأمر الثالث (ذلك المشهور العزيز) كذلك نصح غير المقتدرين بالسفر الداخلي، وهو رأي جيد في ظاهره، ولكن الواقع يؤكد أنَّ تكاليف الرحلات الداخلية -للأسف الشديد- في المواصلات والسكن والمعيشة ووسائل الترفيه، أصبحت وأمست أغلى بصورة مضاعفة من مصروفات السفر الخارجي، إذا كان لبعض الدول الرخيصة، التي يلجأ لها (محدودو الدخل المحبون للسفر)، باعتبارها تناسب إمكاناتهم.

*****

* أخيرًا، ما أجمل السفر وأمتعه، في زيارة الجديد من الدول كل حين، والتعرف عليها وعلى ثقافة مجتمعاتها، ولكن ذلك يبقى للمقتدرين، وصدق الشاعر (علي القحطاني)، وهو يردِّد:

يَا قربَ واشنطن ولندن وباريس

حذفة عَصَا لِلِّي رصيدُه ملايِين

يا عِزَّ حالِي للرِّجالِ المفاليس

اللِّي تِضايقهُم وجيه الدَّيايِين

واللِّي قِضَى عُمرَه وهُو خَالِي الكَيس

مَا شاف مِن دِنيا الوَرَى إلَّا عَمَى العَين

يصير في عينِ البشرِ كِنُّه إبليس

تكثُر خطِيَّاتُه وهُو مَا عَمل شِين!!