تحريض الموظف

في لقاء تداولته المنصَّات، عبَّر رئيس تنفيذي عن امتعاضه من ممارسات بعض أصحاب العمل الذين يسألون الموظَّفين: «كم تستلم؟»، ثم يعرضون عليهم ضعف الراتب. واعتبر ذلك «تخبيبًا في العمل»، ووصفه بأنَّه «عيب»، ووصل إلى القول بأنَّه لا يجوز شرعًا. ورغم تفهُّم حساسيَّة بعض الممارسات في بيئة العمل، إلَّا أنَّ هذا الطرح يتطلَّب مراجعة عميقة.
الخلط بين المنافسة المهنية المشروعة وبين التخبيب ليس دقيقًا. فالعرض على موظف يعمل في جهةٍ أُخرى، سواء براتب أفضل، أو بيئة عمل أكثر جاذبية، لا يُعدُّ سلوكًا معيبًا، فهو جزء من ديناميكية السوق المفتوح. الوظائف لا تُفرض بالإكراه، والموظف ليس رهينة لدى جهة عمله. من حقه أنْ ينتقل حيث يرى تطوُّرًا في مسيرته، أو تحسنًا في ظروفه.
ثم إنَّ المنصَّات المهنيَّة اليوم مثل «لينكد إن» ومواقع التوظيف؛ لم تنشأ فقط لتلقِّي السير الذاتية، فهي مساحة مفتوحة للتواصل والاستقطاب. لم يعد التفاوض محصورًا فيمن بادر بإرسال سيرته الذاتية، فصاحب المنشأة نفسه يبحث ويتواصل ويعرض، ولا حرج في ذلك ما دام الأسلوب مهنيًّا ومحترمًا. أمَّا اعتبار سؤال «كم تستلم؟» غير مهني، فهو في غير محله. فالعرض العادل يستدعي معرفة الراتب الحالي، ليس لاستغلاله، وإنِّما لتقديم عرض مجزٍ إن كان الهدف جادًّا. ما يُعدُّ غير مهني هو التجسس أو الضغط أو التحريض، أمَّا الحوار الصريح فلا غضاضة فيه.
ختامًا، يجب ألَّا تُحمَّل المنافسة المهنيَّة ما لا تحتمل. التوظيف ليس عقد زواج، هو علاقة قائمة على العرض والطلب والتطوُّر. ومن يُحسِّن بيئة عمله ويحترم موظَّفيه، لن يخشى عروض الآخرين، وسيكون هو الخيار الأول دائمًا.