الطائرات بلا طيار

شهد العالم خلال العقدين الأخيرين، ثورة تكنولوجيَّة غير مسبوقة في مجال الطيران، أبرز مظاهرها ظهور وانتشار الطائرات بدون طيَّار المعروفة باسم الدرونز «Drones»، هذه الطائرات الصغيرة التي تُحلِّق بلا طيَّار أصبحت اليوم عنصرًا أساسًا في مجالات متعدِّدة، بدءًا من التصوير والترفيه، مرورًا بالخدمات اللوجستيَّة، ووصولًا إلى الاستخدامات العسكريَّة الحسَّاسة.
الدرونز هي طائرات يتم التحكم فيها عن بُعد، أو تُبرمج مسبقًا لتنفيذ مهام محدَّدة، دون الحاجة إلى طيَّار بشري، ورغم أنَّ فكرتها بدأت في المجال العسكريِّ، فقد تطوَّرت لتشمل استخدامات مدنيَّة واسعة مثل التصوير الجوي، ومراقبة المحاصيل الزراعيَّة، وإيصال الطرود، وحتى عمليَّات البحث والإنقاذ في المناطق الوعرة، وإطفاء الحرائق.
وقد ساهمت هذه التكنولوجيا في خفض التكاليف، وزيادة الكفاءة في كثير من القطاعات.
ففي الزراعة مثلاً، تُستخدم الدرونز لرش المبيدات، وتتبع نمو النباتات.
وفي الإعلام توفر لقطات جويَّة لم تكن ممكنة سابقًا. أمَّا في خدمات التوصيل، فقد بدأت شركات كُبرى مثل أمازون في اختبار إمكانيَّة إيصال الطرود عبر الدرونز خلال دقائق.
لكن كما هي الحال مع أيِّ تقنية متقدِّمة، فإنَّ الدرونز ليست خالية من المخاطر والتحديات، فقد أصبحت أداة محتملة للتجسس، والتسلل، وحتى تنفيذ الهجمات المسلحة، وفي النزاعات العسكريَّة الحديثة، مثلما حدث في أوكرانيا، أو الشرق الأوسط، لعبت الدرونز دورًا محوريًّا في تغيير قواعد المعركة، بفضل دقتها وصغر حجمها وقدرتها على تنفيذ ضربات موجهة بتكلفة منخفضة نسبيًّا.
كما أنَّ الانتشار الواسع للدرونز أثار مخاوف تتعلق بالخصوصيَّة والسلامة الجويَّة، ففي بعض الدول يتم رصد حالات استخدام غير مشروع لطائرات درون للتحليق فوق مناطق سكنيَّة، أو مطارات؛ ممَّا تسبَّب في تعطيل الرحلات الجويَّة، وتهديد سلامة الركاب.
لذلك تسارعت الحكومات إلى وضع تشريعات صارمة تنظم استخدام الدرونز، وتفرض تراخيص للطيران في المناطق المدنيَّة، إلى جانب حظرها تمامًا في مناطق حسَّاسة كالقواعد العسكريَّة، أو المنشآت الحكوميَّة.
ورغم هذه التحدِّيات، تبقى الدرونز تكنولوجيا واعدة، قادرة على إحداث نقلة نوعيَّة في حياة البشر، إذا ما استُخدمت ضمن إطار قانونيٍّ وأخلاقيٍّ واضحٍ. والدرونز هو نموذج حي على أنَّ التكنولوجيا ليست جيدة، أو سيئة في ذاتها، بل في طريقة استخدامها.