شبكات العواطف الخفية!

شبكات العواطف الخفية!

وصلتني رسالة من فتاة تقول: «كنتُ أعتقدُ أنَّ صداقتنا حقيقيَّة، لكنَّها كانت تستخدمني، وتستغل مجهودي؛ لتظهر هي، وتنسب كلَّ شيءٍ لنفسها، وكأنَّ وجودي لم يكن».

رسالتها لم تكن غريبةً.. ففي كل فترة، يظهر شخص ما، يشتكي من علاقة منح فيها قلبه وثقته ووقته، ثمَّ اكتشف أنَّ الطرف الآخر لم يكن يراه سوى وسيلة للعبور.

نعيش اليوم في عالم يفيض بالمظاهر، لكنَّه يفتقر إلى النوايا الصَّادقة. هناك مَن يدخلون حياتك بهيئة «صديق، داعم، قريب، أو حتَّى حبيب»، لكنَّهم في الحقيقة ينتمون إلى ما يمكن تسميته بـ»مافيات القلوب»، أشخاص لا يبحثون عنك، بل عمَّا يمكنك تقديمه.

مافيات القلوب لا يسرقُون مالك فقط، بل يسرقُون وقتك، مجهودك، مكانتك، وحتَّى نورك الداخلي. يتقنُون التقرُّب عندما يحتاجُونك، والاختفاء عندما تحتاجهم. يظهرُون فجأةً؛ ليبنُوا من وجودك منصَّةً، ثمَّ يرحلُون وكأنَّك لم تكن. كم من علاقة بدأت بابتسامة، وانتهت بخيبة؟ وكم من شخص اقترب بحجَّة المحبَّة، ثمَّ تبيَّن أنَّه يسعى للظهور على حسابك؟ بعضهم يريد أنْ يصعد، ويحتاجك سلَّمًا. وبعضهم يلبس قناع الاهتمام ليخفي مصلحة مؤقتة. والمؤلم أنَّ هؤلاء لا يأتُون بوجه الاستغلال، بل بقناع القربى. ولهذا السَّبب، يُصيبُوننا في العمق؛ لأنَّنا نصدِّقهم، نمنحهم، ونحملهم في القلب ظنًّا أنَّهم يشبهُونه.

مافيات القلوب لا تعترف بالجميل، ولا ترى سوى مصلحتها. تتقن التلاعب، وتعيش على طيبة الآخرين. لكنَّها، رغم كل شيء، لا تملك القدرة على هزيمة الأرواح النقيَّة. قد تجرحها، لكنَّها لا تكسرها.

ليس المطلوب أنْ نصبح قساةً، ولا أنْ نغلق أبوابنا في وجه العالم، بل أنْ نُحسن الاختيار. أنْ نفهم أنَّ النيَّة الطيبة لا تعني الغفلة، وأنَّ ليس كلُّ مَن قال «أنا هنا» يعني ما يقول.

احمِ قلبك. لا تمنحه لمَن يتعامل معك كفرصةٍ مؤقتةٍ. اختر مَن يبقى حين تنطفئ أضواؤك.

* من النافذة:

لا تخفْ من الوحدة، خَفْ من ازدحام مزيَّف… فالقلوب النقيَّة لا تحتاج جمهورًا، بل من يُشبهها صدقًا.