الاستكشاف العلمي في الإسلام

الإيمان والعلم في الإسلام: تكامل معرفي يحث على التأمل والاكتشاف، إذ يُقدِّم الإسلام رؤية فريدة تَجمع بين الإيمان والعلم في نسيج واحد، حيث لا يقتصر الإيمان على الجانب الروحي فحسب، بل يتحوَّل إلى ممارسة عقليَّة تُحفِّز على استكشاف الكون وفهم أسراره. يدعو القرآن الكريم في آيات عديدة إلى التفكُّر في المخلوقات، معتبرًا البحث العلمي سبيلًا لتعميق اليقين بالخالق. ومن أبرز الأمثلة على هذا التكامل ما جاء في سورة الغاشية، التي تُوجِّه الأنظار إلى عوالم مختلفة تُجسِّد عظمة الخالق:
– علم الأحياء: الإبل نموذج للإعجاز التشريعي، قوله تعالى: «أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» ليس مجرَّد دعوة للتأمُّل في خلق الإبل، بل إشارة إلى منهجيَّة البحث العلمي القائم على الملحوظة والتحليل. فالتكوين الفريد للإبل -من قدرتها على تحمُّل العطش، إلى تكيُّفها مع البيئات القاسية- يُقدِّم دروسًا في علم التطوُّر والتَّصميم البيولوجيِّ. هنا، يربط القرآن بين الإيمان والعلم، داعيًا إلى استخلاص الحكمة من التفاصيل الدقيقة للخلق، وهو ما يتوافق مع روح العلوم الحديثة التي تدرس الكائنات لفهم أسرار الحياة.
– علوم الفلك: السماء بوابة لفهم توسع الكون، لا تكتفي الآية «وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ» بالإشارة إلى الإعجاز في رفع السَّماء دون أعمدة، بل تُلامس أحدث النظريَّات العلميَّة، كتوسُّع الكون المذكور في سورة الذاريات: «وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ». يُثير هذا الوصف القرآني تساؤلات حول طبيعة الزمان والمكان، وكيفيَّة تفسير الظواهر الفلكيَّة عبر العصور. فدراسة الانزياح الأحمر للنجوم، واكتشاف الخلفيَّة الإشعاعيَّة للكون تُعزِّز فكرة «الكون المتوسِّع»؛ ممَّا يفتح آفاقًا لحوار بين النصِّ المقدَّس، والنظريَّات العلميَّة، دون أنْ يُختزل أحدهما في الآخر.
– علم الجيولوجيا: الجبال وتوازن الأرض، عندما يقول تعالى: «وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ»، فإنَّه يلفت الانتباه إلى دور الجبال الجيولوجيِّ في تثبيت القشرة الأرضيَّة، كما في قوله: «وَجَعَلْنَا الْجِبَالَ أَوْتَادًا». تُقدِّم الدِّراسات الحديثة حول الصفائح التكتونيَّة تفسيرًا علميًّا لهذا الدور، حيث تعمل الجبال كأوتاد تخفِّف من الاهتزازات الزلزاليَّة. هذا التكامل بين الوصف القرآنيِّ، والنظريَّات العلميَّة يدفع إلى التساؤل: كيف أدرك القرآن هذا الدور قبل قرون من اكتشافه علميًّا؟ وهو سؤال يُحيط به العلماءُ بين الإعجاز والتأويل.
– الجغرافيا: تهيئة الأرض للحياة، قوله تعالى: «وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ»، لا يُشير فقط إلى تسطيح الأرض النسبيِّ، بل إلى نظامها البيئيِّ المتكامل الذي يسمح بالحياة. فتنوُّع التضاريس والموارد يُبرز الحكمة الإلهيَّة في تصميم الكوكب. هنا، يُصبح علم الجغرافيا وسيلة لفهم كيفيَّة استدامة الحياة، ودعوةً لتحمُّل مسؤوليَّة عمارة الأرض، كما يُؤكِّد الإسلام على مفهوم الخلافة.
في الختام الإيمان والعلم.. شراكة لا صراع؛ حيث يُقدِّم الإسلام منهجيَّةً استباقيَّة ترفض الثنائيَّة المفتعلة بين الإيمان والعلم، أو البحث العلمي، فكلاهما يسيران نحو الحقيقة. فالعلم يكشف عن «كيفيَّة» عمل الكون، بينما الإيمان يجيب عن «لماذا؟». وهذا التكامل ليس نظريًّا فحسب، بل تجسَّد تاريخيًّا في حضارة إسلاميَّة ازدهرت عندما جعلت من العلم عبادةً، كما في حديث «إِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ».
غير أنَّ هذا لا يعني عدم وجود تحدِّيات، كإساءة استخدام النصوص الدينيَّة لتأويلات تُعارض الحقائق العلميَّة، أو انزياح بعض العلماء عن الرُّوح الأخلاقيَّة للاكتشاف. لذا، يبقى التوازن مطلبًا: الإيمان يغذِّي الفضول العلمي، والعلم يوسِّع آفاق الإدراك الروحيِّ.