متى تنقضي فترة الجاهية؟

متى تنقضي فترة الجاهية؟

العادات والتقاليد هي جزء لا يتجزأ من هوية أي مجتمع، وهي تُمثّل تراكمًا تاريخيًا من القيم والسلوكيات التي تشكّلت عبر الأجيال. ومن الطبيعي أن تتمسك كل فئة مجتمعية بما تعتقد أنه يُعبّر عن أصالتها وانتمائها، فالاحتفاظ بالتقاليد الجيّدة يربطنا بالجذور، ويمنحنا اتزانًا في مواجهة التغيُّرات السريعة. لكن ذلك لا يعني الجمود أو الوقوف في وجه التحوّلات التي تفرضها الحياة الحديثة.

من الأمثلة البارزة على التقاليد القديمة، ما كان يُعرف بـ «الدْخِيْل» في بعض المجتمعات البدوية، وهو أن يأتي الشخص إلى قبيلة أو فرد ليطلب الحماية، حتى لو كان مرتكبًا لجريمة. وكان من يُدخله يتحمّل مسؤوليته أمام خصومه، وتُمنح له الحماية بناءً على مبدأ الشرف والواجب، وليس بناءً على معرفة الحقيقة أو عدالة الموقف. هذا التقليد نشأ في زمنٍ لم تكن فيه مؤسسات قائمة، فكان المجتمع يُعوّض غياب القانون بأنظمة شرفية غير مكتوبة.

لكن اليوم تغيّر كل شيء. ومثلما انتهت «الدْخَالَةْ» بتحقّق مفهوم الدولة، هناك عادات أخرى حان وقت مراجعتها، مثل «الجاهيات»، التي تُستخدم أحيانًا في غير موضعها، هذه الممارسات كانت تُقَدّم كوسائل لاحتواء الأزمات في السابق، لكنها اليوم قد تُكرّس ثقافة المجاملة على حساب الحق. المطلوب اليوم هو التمييز بين ما يمكن الاحتفاظ به من تقاليد، وبين ما يجب مراجعته أو تجاوزه. فالتقدّم لا يعني إلغاء الجذور، وإنما يعني إعادة قراءتها بوعي جديد، فالتقاليد التي كانت حلًا في زمنٍ مضى، قد تصبح عبئًا في زمن اليوم.