تحليل الجينات باستخدام الذكاء الاصطناعي

تحليل الجينات باستخدام الذكاء الاصطناعي

الجينات هي المكوِّنات الأساسيَّة للجسم البشريِّ موجودة في الحقيبة الوراثيَّة، التي يُطلق عليها المصطلح البيولوجي «النواة»، وهي تترتَّب من خلال أحرف كيميائيَّة محدَّدة (G. A.T.C)؛ لتكوِّن اللِّبنات الأساسيَّة لجميع المعلومات الوراثيَّة التي يحملها الـDNA، والتي بدورها تكون في مجموعات وراثيَّة تُسمَّى الكروموسومات، وقد شرحتُ ذلك بالتفصيل في مقال علميٍّ سابق تحت عنوان «الجينات كتاب الحياة».

لقد تطوَّرت التقنيات التي تظهر الجينات، وتفك الشَّفرات، واليوم نحن أمام الذكاء الاصطناعي الذي وجد في الجينات أرضًا خصبةً لتدخله، فحديثًا تمكَّنت شركة Deep Mind من إيجاد نموذج ذكاء اصطناعي، أطلقت عليه اسم الفاجينوم AlphaGenome، مصمم للتفاهم البيولوجي الوراثي مع الجينوم البشريِّ، وتحديد الطفرات، وللتعامل بصفة خاصَّة مع الجينات، وفك الشَّفرات.

إنَّ الوصول إلى الطفرات الوراثيَّة، وتحديدها مبكِّرًا كجينات مقروءة في سلسلة الـDNA عبر برنامج الذكاء الاصطناعي، يُعدُّ ثورةً بيولوجيَّةً جديدةً تساعد في فهم لغز الأمراض المزمنة مثل: السكِّري، وأمراض القلب، والأوعية الدمويَّة، والمستعصية مثل: السرطان، والدماغيَّة مثل: الزهايمر، وباركنسون، فنموذج الفاجينوم AlphaGenome كما جاء وصفه من الشركة قادر على تحليل مليون حرف من الحمض النووي دفعةً واحدةً؛ لأنَّه يعتمد على مزيج متطوِّر من الشبكات العصبيَّة الالتفافيَّة، وتقنية المحوِّلاتن وعلى قواعد بيانات ضخمة؛ ممَّا يتيح له التقاط الأنماط الدَّقيقة في تسلسل الحمض النوويِّ، وبالتالي قراءة التغيُّر الذي يحدث في الجينات، وأنماط الربط الجينيِّ، ومواقع ارتباط البروتينات، ومن خلاله يتحقَّق فهم ما يحدث ما بين الجينات من علاقات مثل: التعبير الجيني، وتحديد مواقع بدء تلك الجينات المطفرة، والرسائل الوراثيَّة بين الـDNA، والـRNA ومجموع العلاقات المتبادلة داخل النواة، أو بين النواة والسيتوبلام، أو الترابط الوراثي بين الخلايا وما تنتجه من آثار وراثيَّة مثل حويصلات خارج الخلايا (الاكسوزومات)، وبالتالي فإنَّ التوصل إلى معرفة الجينات المسبِّبة للأمراض، وتحديد مواقعها، ومقارنة السليم منها بالمتحوِّر والمتطفِّر، يساعد في العلاج المبكِّر لها. إنَّ أكبر مشكلة واجهت الذكاء الاصطناعي في قراءة الجينات، هي أنَّ الجينات لغة تسلسلية ممتدة، لا يعرف أولها من آخرها، ولك أنْ تتصوَّر لو فردت ظفيرة الـDNA، لوصلت إلى أبعد حدود الأرض؛ ممَّا جعل ذلك محفِّزًا لضرورة اكتشاف نماذج عبقريَّة حادَّة الذكاء الاصطناعيِّ؛ للكشف عن التداخل بينها -أي الجينات- وبين ما تسبِّبه من أمراض مهما طال التسلسل الجيني، والمستقبل واعد بذلك -بإذن الله-، مع هذا يظلُّ العلم -سبحان الله- يشفر للعلماء والباحثين من خباياه ومكنوناته شيئًا يسيرًا، ويخفي الكثير، فما جهل منه -إلى الآن- أكثر ممَّا عُلم، كما يذكر ذلك العلماء المتخصِّصون والباحثون المتمرِّسون، وذلك مؤشر قوله تعالى: (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) فسبحان مَن وَسِعَ عِلمُهُ كلَّ شَيءٍ، فعَظُمَ بذلك شأنُهُ، وتقدَّستْ أسماؤهُ.