الحب في زمن الشبكات الاجتماعية!

بدايةً يقول الفيلسوف سقراط: «أعرفُ أنِّي لا أعرفُ شيئًا».. وهذا بالمطلق صحيح، لكنْ إنْ فتَّتنا المقولة، نجد عدم المعرفة بالكليَّة، وهذا أراهُ جانبَهُ الصَّوابُ!
بمعنى أنَّه لابُدَّ أنْ نعرفَ شيئًا عن كلِّ شيءٍ، لكن ألَّا نعلمَ معرفةَ كلِّ شيءٍ، هذا يحتاج دليلًا، ومن ناحيةٍ أُخْرى ربَّما المقولة السقراطيَّة قصدت أنَّه مهما بلغت معرفتك، تبقى قاصرةً، وهذا صحيحٌ بالمجمل، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، هذا القليل الذي أقصده، دون المعرفة المطلقة لله -سبحانه وتعالى، وعزَّ وجلَّ-.
والآن دعونا نستجر حديثًا لشيءٍ في مفردة «الحُبِّ».. يقول علي الأندلسي في كتابه طوق الحمامة: ومنها اضطراب يبدو على المحبِّ عند رُؤية مَن يُشبه محبوبه، أو عند سماع اسمه فجأةً، وفي ذلك أقولُ:
إِذَا مَا رَأَتْ عَيْنَايَ لَابِسَ حُمْرَةٍ
تَقَطَّعَ قَلْبِي حَسْرَةً وَتَفَطَّرَا
غدَا لِدِمَاءِ النَّاسِ بِاللَّحْظِ سَافِكًا
وَضَرَّجَ مِنْهَا ثَوْبَهُ فَتَعَصْفَرَا
ما هو الحبُّ في عصر مواقع التواصل الاجتماعي؟
أعرفُ أنَّه سؤالٌ خطيرٌ، وأعلمُ جيِّدًا أنَّ الزَّواج التقليديَّ موجود، وهكذا، لكن كيف نعرف سلوك مَن يريد إكمال نصف دينه حاليًّا؟!
من خلال مواقعه الشخصيَّة، أقصد حساباته، وما يدور فيها، ومَن يتابعه، ويتابع، وما يكتبه فيه، وفي غيره.
أعلمُ جيِّدًا أنَّ الموضوع حسَّاس، لكنَّه -للأسف- هذا واقعٌ شئنا ذلك أم أبينا، وأعتقدُ جازمًا أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي هي مَن ضمن المحكِّ الرئيس لاتِّزان الخاطب، فما يكتبه ويتابعه، هو نتيجة فكره اليومي، إذا كل ما يكتبه ويعيد نشره باختياره، ويعجبه بوضع قلب بمحضِّ إرادته، هو نتاج فكره بحكم التجربة، وجلوسه بالسَّاعات على حساباته، وحسابات من يتابعهم! فما يوجد عنده فهو يعبِّر عن مكنوناته، واحتياجاته، ومشاعره، وانفعالاته، وهكذا! ومن خلال ذلك يحكم عليه غالبًا.
وأخيرًا..
المودَّة والرَّحمة والتَّقدير والاحترام، بعدها يأتي الحبُّ نبراسًا ومشاعلَ نورٍ ومساقطَ ضوءٍ، واعرفْ -أيُّها الخاطبُ- أنَّ حساباتك الشخصيَّة هي جواز مرور لدى مَن خطبتها، نصيحة نظِّف هاتفك من التَّفاهة وسفاسف الأمور، واكتب باسمك الصَّريح، لا بالاسم المستعار، فالله يرى ويسمع، وهو مَن يحاسبك قبلَ كل البشر.