جبل طويق يساهم في حل المشكلة الهولندية!

جبل طويق يساهم في حل المشكلة الهولندية!

في العام ١٩٧٧م أطلقت مجلة الإيكونوميست الشهيرة مصطلح “المرض الهولندي”، وهو يشير إلى ظاهرة اقتصادية حين ترتفع قيمة عملة دولة ما بشكل كبير استجابة لمكسب غير متوقع تحقق لها في أحد مجالات اقتصادها، ونتيجة لهذا تتعثر الصادرات وكان في ذلك إشارة للحالة الهولندية.

ففي العام ١٩٥٩ اكتُشِف في خرونينجن بهولندا كميات كبيرة من الغاز، مما عزز مالية الدولة عبر تصديره وصرف وارداته، وإن بدا الأمر ايجابياً للغاية إلا أنه كانت هناك آثارا سلبية لاحقا على الاقتصاد الهولندي، فصادرات الغاز عززت خزينة الدولة بالعملة الأجنبية، مما أدى إلى زيادة حادة في قيمة الجيلدر الهولندي والذي ارتفع بمعدل ٣٠٪؜ (استبدل بعملة اليورو في العام ٢٠٠٢) مما انعكس سلبا بارتفاع أسعار السلع المصنعة والمنتجات الزراعية الهولندية عالميًا، مما قلل من قدرتها التنافسية، بالإضافة إلى تحول العمالة لقطاع الطاقة بما أثر على باقي القطاعات، كذلك ازداد الاستيراد مع توفر عوائد مالية كبيرة بما أضعف الإنتاج المحلي وكمحصلة انخفضت الصادرات الهولندية غير الغازية بمقدار ٥٠٪؜ تقريبا في سبعينيات القرن الماضي وقد استمرّت تداعيات الاعتماد على الغاز كمورد اقتصادي رئيسي حتى الآن، علما بأن هولندا قد شهدت ازدهاراً اقتصادياً في القرنين ١٧ و١٨ الميلادي.

وبشكل عام تتشارك دول عديدة والتي تعتمد على مورد اقتصاد واحد ذات المشكلة، وقد تكررت المأساة باستمرار دول أخرى بالاعتماد على المواد الطبيعية بشكل جوهري كالنفط والغاز ومنها العراق حيث يشغل النفط حوالي ٩٠٪؜ من إجمالي الصادرات، والجزائر التي يبلغ النفط والغاز حوالي ٨٣٪؜ من إجمالي الصادرات.

وعلى العكس من ذلك تبرز المملكة العربية السعودية والتي بدأت تصدير النفط عام ١٩٣٩م وعكفت على إعداد وتنفيذ عدة خطط خمسية لإنجاز مستهدفات التنمية وتخفيف الاعتماد على النفط إلا أن التحول الجوهري في هذا المسار بدأ في العام ٢٠١٦ م مع إقرار رؤية ٢٠٣٠م لتحقق الصادرات غير النفطية ٤٠٪؜ تقريبا من إجمالي الصادرات السعودية بالعام ٢٠٢٥م علما بأن المستهدف في الرؤية ٥٠٪؜ بالعام ٢٠٣٠م وتسارع المملكة الخطى لتحقيق ذلك، فعراب الرؤية صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان ولي العهد أشار أن “همة الشعب السعودي مثل جبل طويق”، فجبل طويق الشهير سلسلة جبلية تمتد لـ٨٠٠ كيلومتر ومثلما هو يحوي طبقات صخرية متنوعة تعمل الرؤية على إنشاء وتعزيز طبقات اقتصادية متنوعة سياحية وصناعية وسياحية عبر مشاريع عملاقة متنوعة مستوحاة من طبيعة طويق، فمشروع قدية على سفوحه ومشروع نيوم مستلهم من تنوعه…. وعبر أدوات مالية أبرزها توجيه صندوق الاستثمارات العامة نسبة عالية من استثماراته للقطاعات غير النفطية.

ويجب هنا التنويه أن المملكة استثمرت في أبنائها سواء من خلال البعثات للدراسات الأكاديمية في جامعات عدد من الدول المتقدمة، بالإضافة إلى التوسع في الجامعات والكليات بالمملكة كمًا ونوعًا وتدريبًا، حيث يشكل الشباب (أقل من ٣٥ سنة) نسبة ٧١٪؜ بينما تواجه هولندا شيخوخة سكانية، وأن المملكة استبقت حدوث أزمات اقتصادية حادة نتيجة انخفاض أسعار النفط مثلما حدث بالعام ٢٠٢٠م عبر اعتمادها للرؤية والعمل بموجبها، بينما جاءت الإجراءات الهولندية بعد تعرض اقتصادها لأزمات في سبعينيات القرن الماضي، وهنا يتأكد المثل الإنكليزي الشهير إذا كان هناك إرادة فهناك طريق للإنجاز.

@jamalalmadani