التزام العهد جزء من الإيمان

التزام العهد جزء من الإيمان

ذكر البيهقي في شعب الإيمان: عن الأصمعي أنَّه قال: دخلتُ الباديةَ، فإذا بأعرابيَّة عجوزٍ بين يديها شاةٌ مقتولةٌ، وجرو ذئبٍ مقعٍ، فنظرتُ إليها، فقالت:

أتدري ما هذا؟ قلت: بلى. وما قصدك؟ فقالت: وجدتُ في البادية ذئبةً قد قتلها الصيَّادون، وقد ولدت ذئبًا صغيرًا مازالت عينَاهُ مغمضتَينِ، فحنَّيتُ عليه، وأخذتهُ شفقةً عليه إلى بيتي، وربيَّته، وكنتُ أرعاهُ وأطعمهُ من حليب شاةٍ وحيدةٍ عندي، وهي كل ما أملك من مال، فربَّيته على حليبها (لبنها)، إلى أنْ اشتدَّ ساعده، وقويَّ وأصبح ممكنًا… وكانت الشاةُ بمنزلةِ الأُمِّ لهذا الذئب، وبعد مرور الوقت، وفي مساءِ أحد الأيام، عدتُ إلى بيتي، فوجدتُ هذا الذئب الغادر قد سَطَا على الشَّاةِ، وهَجَمَ عليها، وبَقَرَ بطنَهَا، ومزَّقهَا، وأكلَهَا، وهَرَبَ، فتعقَّبتهُ وتبعتُ خطاه، ووجدتهُ على رأس ربوةٍ واقفًا ينظرُ إليَّ، وتمكَّنتُ منه حتَّى قتلته… وقد حزنتُ كثيرًا على صنيع هذا الذئب اللَّئيم، الذي عرف طبعه، وعاد إلى أصله بالفطرة، وعندها أنشدت الأعرابيَّة هذه الأبيات بحزنٍ شديدٍ على شاتِها قائلة:

بَقَرَتْ شُوَيْهَتِي وَفَجَعَتَ قَلْبِي

وَأَنْتَ لِشَاتِنَا وَلَدٌ رَبِيبُ

غُذِّيتَ بدرِّهَا، ورُبيتُ فينَا

فَمَن أنْبَاكَ أنَّ أبَاكَ ذِيبُ

إِذَا كَانَ الطِّباعُ طِباعَ سُوءٍ

فَلَا أدبٌ يُفيدُ وَلَا أَديبُ

فالغريزة والأصل هما اللذان يجذبان إلى ما لا تُحمد عقباه، وهكذا اللَّئيم في كُلِّ عصر ووقت، يتنكَّر لمن كان له فضل عليه، ولا يحفظ عهدًا، أو جميلًا، أو معروفًا.

فما أصعب أنْ يواجَه الإنسان ممَّن أكرمه من الإساءة، وجحود المعروف، والتنكُّر للمودَّة، فما أجمل الوفاء، وحُسن العهدِ.