حتى أنت يا نَبَق..!! يمكن إعادة صياغتها كالتالي: “حتى أنت يا فاكهة النبق..!!”

حتى أنت يا نَبَق..!!  يمكن إعادة صياغتها كالتالي: “حتى أنت يا فاكهة النبق..!!”

أنا من مواليد مدينة الطائف..

عفوًا لا تسألوا عن تاريخ ولادتي، وفي العموم لا تسألوا عن أشياء إِنْ تُبْدَ لَكُم تَسؤنِي، وقد تسوؤكم كما تسوؤني!.

والطَّائف بالنسبة لي ليست مُجرَّد مدينة سقط رأسي (الناشف) على ثراها، بل هو موسوعة كُبْرى لذكريات طفولتي ودراستي من المرحلة الابتدائيَّة إلى المرحلة الثانويَّة، وأجدني اليوم أكتبُ بمرارة عن نِبْق (سِدْر) الطَّائف، الذي كان يومًا ما من سادات فواكه الطَّائف، حجمًا كبيرًا، وطعمًا شهيًّا، ولونًا بُنيًّا جميلًا، وارتضاه قلبي قبل فِيهِي، وأكلتُ منه كثيرًا، حُلْوًا لذيذًا كما يقول الشاعر العربي:

إنْ ذُقْتَهُ يَومًا شَعرْتَ بلذَّةٍ

تُنْسِيكَ هَمَّ الدَّهْرِ والأَحْزَان

وقد ولَّى الزَّمن الماضي الجميل، ووجدتُ نِبْقَ طفولتي يُباع في أسواق جدَّة، داخل عبوَّات كرتونيَّة جميلة، أمَّا هو فكان عبارة عن حبَّات صغيرة وشاحبة، وكأنَّها اتّبعت ريجيمًا تنحيفيًّا قاسيًا، ونواها الدَّاخلي الذي لا يُؤكل أكبر من ثمرتها الخارجيَّة التي تُؤكل، وهي إمَّا خضراء بالكُليَّة، وإمَّا بُنيَّة فيها دوائر خضراء، مثل الثمرة المُصابة بالجَرَب، وسُرْعان ما أصبح ذكرى باهتةً في أحلامي، وطعمًا ضائعًا في لسانِي، ولم يعُدْ من سادات ثمار الطَّائف، ولا من أشرافها الكريمة!.

ولا أعلمُ الأسباب الحقيقيَّة وراء تدهور جودة فواكه الطَّائف عمومًا، مثل الرُمَّان والتِّين والبُخارَى والتُّوت، وقد لحقها النِبْق الآن، وتصدَّر سباق التدهور، وأقول له (حتَّى أنتَ يا نِبْق؟) كما خاطب يوليوس قيصر، وزيرَه بروتس، الذي خانه، وشارك في اغتياله (حتَّى أنتَ يا بروتس؟)!. هل الأسباب هي قلَّة الأمطار؟ أو استخدام مياه التحلية، أو المياه الجوفيَّة غير المُعالجة للرَّي؟ أو تسليم ملفَّ الزراعة للعمالة الوافدة من بلاد بعيدة، مثل بنغلاديش، حيث زراعاتها وتُربتها تختلف عمَّا لدينا؟ أو وفاة المزارعين السعوديِّين القُدامَى واشتغال أبنائهم بمهنٍ أُخْرى وكأنَّهم لا يعلمون المثل الطَّائفي (شغلة أبوك لا يغلبوك)؟ أو اكتساح المشروعات السياحيَّة الخرسانيَّة للأراضي الزراعيَّة التي أُهْمِلَت؟ أم كلُّ ما سبق أعلاه؟.

لكنِّي أعلمُ أنَّ النِبْق الطَّائفي يعيش الآن في أزمة، وقد ينقرض، فلا نرى له أثرًا إلَّا في ألبوم الذكريات، ومتاحف الآثار، ورُبَّما يُوصف في المناهج الدراسيَّة كفاكهة من الماضي، ليس لها حاضر أو مستقبل، وإنْ بكى مُحبُّوه فلا مشكلةَ، إذْ سُرعان ما سينسُونه.

فيا مسؤولي الزِّراعة، بل يا مسؤولي المحافظة، أدركوا النِبْق قبل أنء يصبح حديث مجالس الماضي، ولا يبقى منه إلَّا خيال في جدار الذِّكريات.