الصحافة الرقمية: صعوبات في التدريب والدقة والنشر والموارد

على الرغم من دور الصحف الإلكترونيَّة الهام في مواكبة الأحداث على مدار الساعة، إلَّا أنَّ البعض منها يواجه تحدِّيات خطيرة تتعلَّق بضعف بعض المحرِّرين مهنيًّا والسرعة في النشر دون التوثيق الكافي؛ ممَّا يوقعها في حرج يستوجب منها الاعتذار للقارىء.
كما تواجه أغلب الصحف معضلة أُخْرى وهي الأخطاء اللغويَّة، والبيانات غير الدقيقة، وعدم قدرة على استقطاب وجذب الصحفيِّين المؤهلين والمختصِّين، بسبب شُحِّ الموارد الماليَّة، وغياب العمل المؤسسيِّ والاحترافيِّ.
تفوُّق وتحدِّيات
في البداية قال المستشار الإعلامي عبدالله الكناني: استطاعت الصحف الإلكترونيَّة تجاوز الورقيَّة من حيث الانتشار، وسرعة الوصول، والتفاعل اللحظي، مستفيدة من التحوُّل الرقمي، وتزايد اعتماد الجمهور على الهواتف الذكيَّة، ومنصَّات التواصل، لكن هذا التفوُّق الكمي لا يعني بالضرورة تفوُّقًا نوعيًّا؛ إذ لا تزال الصحف الورقيَّة، ولاسيَّما التابعة للمؤسسات الصحفيَّة الكُبْرى، تحتفظ بميزة العمق التحريري، والانضباط المهني، والبنية المؤسسيَّة المتكاملة من حيث القدرات والكفاءات، وبينما تقدم الصحف الإلكترونيَّة الخبر أوَّلًا، تظل الورقيَّة أكثر قدرة على تحليل الحدث، وربطه بسياقه، ومتابعة أبعاده وتداعياته؛ ممَّا يجعل بعضها أقرب إلى منصَّات تحليل ورأي، لا مجرَّد أدوات لنقل الأخبار.
ولعل من أبرز الإشكاليات التي تُضعف صورة بعض الصحافة الإلكترونيَّة، فتح الباب أمام من يسعون للظهور، أو لاكتساب صفة اعتباريَّة «صحفي»، دون أنْ يمروا بمرحلة تأسيس وتأهيل مهني حقيقي.
وأضاف: الصحافة ليست مجرَّد وسيلة نشر، بل منظومة معرفيَّة ومهاريَّة تتطلَّب التمكن من تحرير الخبر، وصياغة العنوان، وضبط اللغة، والالتزام بأخلاقيَّات المهنة، وممَّا يُؤسف له أنَّ كثيرًا من الممارسات الحاليَّة تحوُّل الصحفي إلى وسيط أخبار للعلاقات العامَّة، أو صائغ بيانات اتصال مؤسسي عن بُعد، ما يُفقد العمل الإعلامي جوهره المهني.
ورأى أنَّ غياب التأهيل الصحفي يجعل المنصَّة الإعلاميَّة أقرب إلى مساحة للنشر الترويجي أو السطحي، ويُفقدها ثقة المتلقِّي، واهتمام الجمهور.
وأشار إلى وجود خلل تنظيمي واضح يستدعي مراجعة عاجلة، إذ لا يصح أنْ تُمنح صفة «صحفي» لمجرَّد وجود خطاب تعيين، دون التحقق من الكفاءة المهنيَّة والمهارات الأساسيَّة للممارسة الصحفيَّة تقنين وضع الصحفيِّين.
وقال الإعلامي محمد الشيخي: الصحف الإلكترونيَّة أصبحت لغة العصر في نقل الخبر والمعلومة، وطرح الرأي بعد اندثار أغلب الصحف الورقيَّة التي كانت سيدة عصرها في مرحلة ماضية انتهت بكل تفاصيلها الجميلة، لكن هناك فروق واضحة عندما نصف ناقلي الأخبار بأنَّهم إعلاميون، وهذا الفرق يتعلَّق بالممارسة والتأهيل والمواصفات: فناقل الخبر اليوم ليس إعلاميًّا ولا يستطيع أنْ ينقل، أو يصف ما يجري حوله بلغة سهلة واضحة، بعيدة عن الأخطاء، بل ينقلها وفق إمكانياته، وليس وفق لغته وخبراته، وهنا يجب على الجهة الرسمية التي تمنح تصريح ممارسة هذه المهنة تقنين عمليَّة الانتشار الواسع لمن يُسمِّي نفسه إعلاميًّا حتى أصبح كل شخص يستطيع أنْ يقدِّم نفسه للنَّاس بهذه الصفة دون ممارسة، واتِّكاء على خبرات سابقة وشهادة إعلاميَّة ومهارات لغويَّة في كيفيَّة كتابة الخبر وتقديم المعلومة.
الصحفي الحقيقى
من جهتها قالت الإعلامية منى العيد: استطاعت كثير من الصحف الورقيَّة العريقة أنْ تُعيد تموضعها، وتنتقل من الحضور الورقي الذي غاب عنه القارئ، إلى منصَّات رقميَّة حديثة تواكب تطلُّعات الجمهور، وتقدِّم الخبر بسرعة ومرونة.
ويمكن القول إنَّ بعض الصحف الإلكترونيَّة أصبحت اليوم أقرب للمتلقي، فيما تحوَّلت غالبية الورقيَّة إلى مجرد ذكريات يحنُّ لها البعض، لكنَّها لم تعد الخيار الأوَّل.
والصحفي الحقيقي يثبت حضوره أينما وجد، ويصنع فرقًا واضحًا بمحتواه وجودة طرحه.
أمَّا من ينتسب للصحافة دون امتلاك أساسياتها من صياغة ومهنية ومعرفة، فيبقى عبئًا على المؤسسة الإعلاميَّة، وغالبًا ما يغادر المشهد إنْ لم يُطوِّر نفسه، أو يتعلَّم من تجارب الميدان.
وأشارت إلى أنَّ هيئة تنظيم الإعلام تبذل جهودًا كبيرةً في تنظيم القطاع الإعلامي، ومن الطبيعي أنْ يشهد هذا المجال تطويرًا مستمرًا في القوانين واللوائح.
ومع مرور الوقت، أتوقَّع أنْ يتم اعتماد معايير أكثر دقة وشمولية تضمن منح البطاقات المهنية لمن يملكون المؤهلات الفعليَّة.
التكلفة وسرعة الانتشار
وتحدَّث الإعلامي حسن الغامدي، عن تباين كبير بين الصحافة الورقيَّة والإلكترونيَّة من عدَّة نواحٍ، ومن أهمها التكلفة الماديَّة، وسرعة الوصول للخبر، وسهولة التفاعل والتواصل، ومشكلة التوزيع، وطريقة نقل المعلومة، وغيرها من الفروقات الواضحة والملموسة.
ولكن الملاحظ أنَّ هناك افتقادًا لصفات الصحفي الناجح في بعض الصحف الإلكترونيَّة، ومن أهمها اتقان اللغة العربيَّة بطريقة ممتازة، والصحفي الرقمي المتميِّز لابُدَّ أنْ يكون لديه القدرة على إنتاج محتوى يتناسب مع كل منصَّة، ويخدم فئة معينة من الجمهور، بالإضافة إلى مهارات استخدام الأدوات التقنية المتقدِّمة لتحرير وإنتاج المحتوى الرقمي مثل برامج تحرير الفيديو، والتدوين الصوتي.
ولا شكَّ أنَّ هناك العديد من الأدوات المساعدة في إنشاء وتحرير محتوى النصوص، والتحرير الصوتي، وتعديل الصور، ومقاطع الفيديو في وقت قياسي.
وثيقة لممارسي العمل الإعلامي
تصدر هيئة تنظيم الإعلام وثيقة صالحة لمدة 3 سنوات لممارسي العمل الإعلامي؛ لحفظ الحقوق المهنيَّة، وإتاحة الوصول لمصادر المعلومات بشكل أسرع.
ويُشترط أنْ يكون المتقدِّم عاملًا في المجال الإعلاميِّ، أو القطاعات المرتبطة به، أو حاصلًا على شهادة علميَّة معتمدة في إحدى التخصصات الإعلاميَّة، أو أنْ يكون ذا خبرة في المجال الإعلامي، وفي حال عدم توفر الخبرة الكافية لدى المتقدِّم، فيعتد بالدورات التدريبيَّة؛ وفقًا لتقدير المختصِّين في الهيئة.
وعند تحديث أيٍّ من المعلومات للمسجَّل مهنيًّا، يجب إشعار الهيئة عبر منصَّة الخدمات الإعلاميَّة (إعلام)، كما ينبغي ألَّا يقل عمر المتقدِّم للتسجيل المهني عن 18 عامًا.
ويشترط لغير السعودي أن تكون المهنة المسجلة في هوية مقيم تتطابق مع المهنة الإعلامية المطلوبة.