لقد جاء عام هجري جديد.

لقد جاء عام هجري جديد.

١٤٤٧… رقم جديد يُضاف إلى دفتر الأيام، إلى مفكرة التقويم، وكأنَّنا كنا طول حياتنا ننظر إلى ساعة رمليَّة تنزل حبَّات ترابها ببطء، ونحن عنها غافلون.

لكنَّ الزَّمن، كما نعرفه نحن الذين تجاوزنا السِّتين أو السَّبعين، لم يعد مجرَّد أرقام. السنوات عندنا لا تُعدُّ على الأصابع، بل تُوزن في دواخلنا وفي قلوبنا المُتعبة. صارت كلُّ سنة تحمل وجوهًا رحلت، وأصواتًا غابت، وخطواتٍ تباطأت، وذكرياتٍ تزدادُ وضوحًا كلَّما ابتعدت.

نقف اليوم في عتبة عام جديد، وننظر خلفنا. نرى حياةً كاملةً قد مرَّت، فيها نور وظلام، رضا وندم، ضحك وخسارات. نرى أنفسنا في مرايا متعدِّدة: كنا أطفالًا نركض، شبابًا نحلم أنْ نملك العالم، آباءً نرعى، ثمَّ شيوخًا نحدِّق أكثر ممَّا نتكلَّم.

ننظر أمامنا، فلا نفزع ممَّا بقي، ولا نستعجله. لم يعد يغرينا الغد، بقدر ما يعنينا أنْ نحياه بنقاء. لا نسأل: ماذا سنفعل؟ بل: كيف سنكون؟

العمر، حين يطول، لا يصبح «زمنًا فائضًا»، بل فرصة لفهم الحياة كما لم نفهمها من قبل. نصبح أقل انشغالًا بالأشياء، وأكثر قربًا من المعنى والتأمُّل. لم نعدْ نحارب من أجل كل التفاصيل، بل نحب أنْ نراقبها وهي تمضي.

العام الجديد لا يعني فقط أنَّنا كبرنا سنةً. بل يعني أنَّ الله منحنا مهلةً جديدةً، دقيقةً أُخْرى للسَّكينةِ، لابتسامةٍ صغيرةٍ، لركعةٍ خاشعةٍ، لحكايةٍ نرويها لحفيدٍ، لصمتٍ نرتاح فيه.

هل مرَّت بنا السُّنون سريعًا؟ نعم، كما يمرُّ السَّحاب، لا يُمسَك، ولا يُعاد.

هل بقي في القلب شيء لم يتحقَّق؟ ربَّما، ولكن القلب تعلَّم أنْ لا يطلبَ كلَّ شيءٍ.

هل نخاف من النهاية؟ لا، بل نخاف أنْ لا نحسن النهاية.

١٤٤٧… عام جديد، لكنَّه لنا مختلف.. هو لنا امتنان، ووعد صامت بأنْ نُحسنَ المضيَّ فيما بقي.. نستقبله لا كبدايةٍ، بل كهديةٍ.. ولا نودِّع ما مضى بأسفٍ، بل بتسليمٍ.

«ربنا، إنَّا قد شِخْنَا في أجسادنا، لكنَّ أرواحنا لا تزال تتوق إليك، فاجعل هذا العام لنا سترًا، ونورًا، ونهايةً طيبةً لحكايةٍ طويلةٍ بدأت من زمنٍ بعيدٍ».