عندما يصبح الإعلام محصورًا في لون أحمر!

في زحام ما يُنشر يوميًّا على المنصَّات الإخباريَّة، وبعض المجلَّات، لم يَعُد من المستغرب أنْ يتصدَّر خبرٌ عن «سبب اختيار فنَّانة لدرجة الرُّوج الغامق»، أو «تلميح غامض في صورة بعد عمليَّة تجميل»، واجهات المحتوى المتداول. الأخبار لم تَعُد أخبارًا، بل أصبحت سلسلةً من التفاصيل التَّافهة التي لا تعني شيئًا، سوى إعادة تدوير السَّطح مرارًا وتكرارًا، وكأنَّ المضمون لم يَعُد ضرورةً، بل عبء يُراد التخلُّص منه.
يكفي تصفح سريع لبعض حسابات المشاهير، أو المنصَّات التي تدَّعي المهنيَّة الإعلاميَّة، لنكتشف حجم التراجع في أولويات المحتوى: من تحليل شكل الأنف بعد «تعديل بسيط»، إلى تأويل وضعيَّة صورة تم التقاطها عفويًّا، ثمَّ يُقدَّم ذلك كسبقٍ صحفيٍّ يُفترض أنَّه يهم المتابعين.. هذه ليست صحافةً، بل تزيين للفراغ، وتسويق للابتذال.
الأخطر من ذلك، أنَّ هذه الثقافة السطحيَّة تسلَّلت إلى عقول بعض طلاب الإعلام أنفسهم. حين تسأل طالبًا -اليوم- عمَّا يريد تناوله في مشروعه المقبل، قد تسمع إجابات مرتبكة: «ربَّما أتكلم عن موضة الوجوه المتشابهة»، أو «تحليل تأثير المشاهير بعد الفلتر». لم يَعُد من السَّهل التَّفريق بين مَن يسعى فعلًا لإنتاج مادة نقديَّة ذات قيمة، ومَن يجاري الموجة؛ كي لا يبدو «خارج الترند».
هنا تُطرح الأسئلة الحقيقيَّة: هل الإعلام -اليوم- يُعِدُّ طلابَه وممارسيه لمواجهة التحدِّيات الفكريَّة والثقافيَّة، أم يُدرَّبون على مطاردة اللَّقطة؟ هل ندرِّب الصحفيَّ على كيفيَّة طرح الأسئلة الصحيحة حول قضايا مجتمعه، أم نكتفي بتعليمه كيف يصنع محتوًى تافهًا يجذب الأرقام، ولا يحرِّك الوعي؟ التحوُّل من الصحافة كقيمةٍ معرفيَّةٍ إلى «خبر سريع للاستهلاك اللَّحظي» هو أحد مظاهر الخطر، التي تُهدِّد مصداقيَّة المهنة. فالإعلام الذي يتخلَّى عن مهمَّته الأساسيَّة في توثيق الواقع، وتحليله، وتقديمه للناس كوسيلة للفهم، ليس إعلامًا، بل صدى لما هو رائج… والرَّائج قد يكون خدعةً، وقد يكون رُوجًا أحمرَ، لا أكثرَ.
* من النافذة:
سأوجِّه سؤالًا: هل أنت راضٍ عمَّا يُقدَّم اليوم؟
ما الذي يعجبُك أكثر.. التفاهة، أم المضمون؟