العالم الكبير ابن دقيق العيد

العالم الكبير ابن دقيق العيد

“ابن دقيق العيد”، هو العالم الفقيه محمد بن علي بن وهب القشيري القوصي، سُمِّي ابن دقيق العيد بهذا الاسم نسبةً إلى جدّه، الذي لُقِّب بـ “دقيق العيد”، بسبب ارتدائه لعمامة بيضاء ناصعة البياض يوم العيد، فشبّهها الناس بالدقيق لشدة بياضها.

وُلِد ابن دقيق العيد في شعبان سنة 625هـ، في البحر الأحمر عند ساحل مدينة ينبع، حيث كان والده “مجد الدين القشيري القوصي”، في طريقه لأداء فريضة الحج.

أما الحافظ ابن حجر العسقلاني فقال: وُلِدَ ابن دقيق العيد بطريق مكة في المحرم سنة 625هـ، ويُقال إن أبيه طاف به على يديه، ودعا له بالعلم والعمل، أما نشأته فكانت في إحدى قرى صعيد مصر.

قال عنه أبوالفتح بن سيد الناس اليعمري الحافظ: “لم أرَ مثله فيمن رأيت، ولا حملت عن أجلّ منه فيما رأيت ورويت، وكان للعلوم جامعاً، وفي فنونها بارعاً، مقدماً في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفرداً بهذا الفن النفيس في زمانه، بصيراً بذلك شديد النظر في تلك المسالك، كان حسن الاستنباط للأحكام، والمعاني من السنة والكتاب، مبرزاً في العلوم النقلية والعقلية”.

نشأ في صمت وانشغل بالعلم، وقد ذكر ذلك أبوالفضل كمال الدين الأدوفي في كتابه الطالع السعيد، وصفه كثير من المؤرخين وكُتَّاب التراجم والطبقات مثل علي بن عبدالكافي السبكي شيخ الإسلام في عصره، وابن فضل الله العمري وغيرهم، “بأنه لم يزل حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه.. وقف نفسه على العلوم وقصدها، فأوقاته كلها معمورة بالدرس والمطالعة، أو التحصيل والإملاء”.

حفظ القرآن الكريم وسمع الحديث الشريف من والده الشيخ مجد الدين القشيري، وأبي الحسن البغدادي، وأبي العباس المقدسي، وأبي المعالي أحمد بن المطهر، والحافظ أبي الحسين العطار، وخلائق غيرهم. وأخذ العربية على ابن أبي الفضل المرسي.

تتلمذ على يده خلقٌ كثير، على رأسهم قاضي القضاة “شمس الدين التونسي”، وقاضي القضاة شمس الدين حيدرة، والعلامة أثير الدين أبوحيان الغرناطي، وفتح الدين اليعمري، وشرف الدين الإخميمي وغيرهم.

كان ابن دقيق العيد، بجانب امتيازه في التدريس والفقه والتأليف، خطيباً بارعاً، وله ديوان شعر لا يخرج عن طريقة أهل عصره الذين عُرِفوا بالسجع والمحسنات البديعة، من أشهر كتبه “الإمام في معرفة أحاديث الأحكام”، حققه الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد، وكتاب “شرح الإلمام بأحاديث الأحكام”، وترك العديد من المؤلفات في الحديث وعلوم الفقه، التي ما زالت تعتز بها المكتبة العربية حتى يومنا هذا.

توفي ابن دقيق العيد يوم الجمعة، الحادي عشر من شهر صفر سنة 702هـ، ودُفِن بسفح جبل المقطم شرق القاهرة.