حبة سكر للعام الجديد!

تتجدَّد الأُمنيات مع بداية كلِّ عام هجريٍّ أو ميلاديٍّ، بعد أنْ أصبحنا نحتفي بالمناسبتين، ونضخُّ الأُمنيات لكلتا البدايتين؛ فانتهاء عام، يعني المرور بكثير من الأحداث على المستوى الشخصيِّ، الأُسريِّ، أو الاجتماعيِّ، بالإضافة إلى الكثير من الأحداث الرياضيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة «محليَّة، إقليميَّة أو دوليَّة»، تؤثِّر فينا، أو نتأثَّر بحدوثها بشكل ما. كلُّ ما سبق يدفعنا إلى وضع الكثير من الأُمنيات والتطلُّعات على كاهل العام المقبل، ونحن نعلم أنَّ الأيام والأعوام ليس لها علاقة بما يحدث لنا، فهي أقدار مقدَّرة مكتوبة، تحدث وتمضي، يوم حلو، ويوم مُر!.
أقدارنا ترفعنا أحيانًا عاليًا، ننتشي بالفرح، النجاح، التوفيق، الفرص، العلاقات كلها مفاتيح السَّعادة، حتى تظنَّ أنَّك لمست النجوم براحتيك. أمَّا الأمور المعاكسة، كالفشل والفراق، المرض والخسارة، كل منها كأنَّها تنزل بك إلى حضيض العتمة، فلا ترى في غمرتها بصيص ضوء أو أمل. لكنَّ الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، فهي لا تُبقي مَن ارتفع عالقًا في أفراحه، ولا مَن سقط غارقًا في أتراحه. كأنَّ الحياة تدور بنا بين فرحٍ وترحٍ، صحةٍ ومرضٍ، نجاحٍ وفشلٍ، ولادةٍ وموتٍ.
الأفراح والنجاحات لا تترك جراحًا ولا ألمًا، بل تُضفي على حياتنا الرَّاحة والسَّعادة، تملؤنا بالفرح والتفاؤل، بينما تكتسح الأحداث المؤلمة كل ذلك الضياء، كل تلك المشاعر الرَّاكضة الرَّاقصة تُجهَض وتنغمر بالأحداث المعاكسة؛ خصوصًا إذا تزامنت مع آخر العام، نشعر أنَّنا مثخنُونَ بالجراح، كالمحارب الذي لم يعدْ بإمكانه العودة إلى ساحة المعركة، وينتظر انتهاء الحرب، والهدنة، أو السَّلام؛ لينعم بالرَّاحة والأمان.
من عانى من الفقد أو المرض، أو محبطات الحياة، التي تلتف على الإنسان أحيانًا، فيظن أنَّه يصادف سنته الأسوأ، يتطلع إلى المستقبل -الذي يمثله العام المقبل- بكثير من التفاؤل، بل نثقل عليه بالأُمنيات الكثيرة، نستقبله بكثير من العادات التي تمثِّل البياض والحلاوة، كأنَّنا نضع حبَّة سكر في فم العام الجديد.
في مكَّة المكرَّمة -كانت هي الحاضرة الوحيدة في الحجاز- تواطأ المجتمع على استقبال العام الهجري الجديد بكثير من الحيل تفاؤلًا، من الصباح الباكر، الإفطار يتمثَّل في تناول الحليب، والقشطة، والعسل؛ حتَّى تكون الأيام حلوةً وبيضاءَ، وفي الغداء يتناولُون الملوخيَّة الخضراء؛ لإغراء أيَّام العام المقبل بأنْ تكون مخضرَّةً مزهرةً بالفرح، أمَّا العصريَّة، قبل أنْ يغادر أوَّل يوم في العام الجديد، يتم توديعه بتناول القهوة الحُلوة، أو قهوة اللوز، التي أصبحت عادةً في كلِّ بيت سعوديٍّ، بعد انتشار هذه العادة في قنوات التواصل، أصبح كوب قهوة اللوز ملازمًا للتهنئة بالعام الجديد.
كل تلك الحيل والممارسات، وتحلية فم العام الجديد، أي يومه الأوَّل، هل تثني الأقدار عن مخطَّطاتها، وما خطَّه القلم في سجلاتنا؟!.
الاحتفالات بالعام الميلاديِّ تأخذ طابعًا مختلفًا، لكن المعنى، أو الهدف هو «وضع قطعة سكر في فم العام الجديد»، يحلِّي أيَّامه، أو أحداثه، أو أقداره.
لا شكَّ أنَّنا أصبحنا نشارك العالم احتفالاته، فالأجيال التي وُلِدَت، ودرست، وتشرَّبت عادات الاحتفال بالمناسبات المختلفة، من خلال الحياة في أوروبا وأمريكا، للدِّراسة أو العمل، أو من خلال التواصل وقنواته، التي حوَّلت العالم إلى قريةٍ كونيَّةٍ، تشاهد وتتفاعل وتنفعل بما يحدث على أيِّ بقعة على الكرة الأرضيَّة. كل تلك التحوُّلات الكبيرة التي عاشتها الأجيال المختلفة من أبنائنا وأحفادنا، جعلنا جزءًا من العالم، نتفاعل معه، وننفعل بأحداثه.
كما أصبحت السعوديَّة -كلها- تتناول القهوة الحلوة، أو قهوة اللوز، سيستطيبها العالم، وربما تصبح ماركةً سعوديَّةً يتهافت العالم عليها مستقبلًا، فهي أحلى قطعة سكر في فم العام الجديد.